في زمنٍ عزت فيه البصيرة و ادّعى كل مغامر النبوّة السياسية ، كان عبد الحميد مهري رحمه الله صوت الحكمة المطموس تحت ركام العناد . رجلٌ لم تُغره الأضواء و لم يُسقطه الإغواء ، بل ظلّ وفيا لمنطق الدولة ، ناصحا محذّرا مستشرفا العواقب قبل أن تقع الفأس في الرأس .
حين اندفع شيوخ الجبهة الإسلامية في غرور القوة أنذرهم بأن العصيان طريق إلى الهاوية ، و أن مواجهة الدولة بغير العقل محض انتحار . لكنّهم أعرضوا واستكبروا ، فسقط الوطن في محرقة العشرية السوداء ، نارٌ التهمت الأخضر و اليابس ، و دماءٌ سالت حتى أغرقت الندم نفسه .
و لمّا تصدّر بوتفليقة المشهد لم ييأس الحكيم من تكرار رسالته : دولة المؤسسات أقوى من حكم الفرد ، و الشرعية الشعبية حصنٌ لا تهدمه العواصف ، و الاستبداد بداية السقوط . لكنّ صاحب القرار استكبر كما استكبر الأولون ، فأدار ظهره حتى جاءت لحظة الحساب ، فخرج مذموما مدحورا بحراكٍ كان مهري أول من قرأ ملامحه في الأفق .
سلامٌ عليك أيها العٓلٓم الذي لم ينصفه عصره ، و رحمة واسعة على روحك التي أدركت الحقيقة يوم عميت عنها الأبصار .