في الواجهةقضايا الساعة

من وعد “بلفور” إلى وعد “ترامب”.. الهيكل الموعود على مشارف “بَكّة”! ___

بعد إعلان " الكاوبوي " عن نيته في تهجير الغزاويين الى مصر والاردن

 

قبل أن يمرّ القطيع العربي، بمعظم أنظمته الخانعة وكثيرٍ من حكّامه المسلوبين وأغلب شعوبه المُغيّبة، مرورَ السّذّج والحمقى لا مرور الكرام، على تصريح مجنون ومعتوه أمريكا “دونالد ترامب“، حول ما أطلق عليه، مساحة “إسرائيل” الضيّقة والتي يجب أن تتوسّع، وقبل أن ننتبه ونستوعب ونوقن أن الأمر يتجاوز المغازلة الجغرافية “الترامبية“ لمساحة “دويلة“ الكيان الصهيوني، كنا نعتقد ونظن أننا أمة لا تقرأ وإن قرأت فإنها لا تفهم، لكن الحقيقة العارية بعد الذي قاله “ترامب“، أننا خرجنا من مرحلة عدم القراءة والفهم، لننتهي إلى مرحلة الأمة التي لا تسمع وإن سمعت فإنها لا تعي، وفوق هذا وذاك، لا تستوعب ما يُحاك من خلف “طَرَشِها“..

إنّ “ترامب“، وفي تصريحه الواضح المضمون والمعاني والأهداف، لم يكن يُهرّج أو يمارس البهلوانيّة السياسية، كما لم يكن يشارك في فيلم هوليودي حاول قنّاصه أن يقتله من “أذنه“، بل كان “يقنص“، عن قناعة واقتناع، قلبَ الأمّة العربية وغدها القادم برصاصة قاتلة؛ هو مشروع مملكة “إسرائيل“ الكبرى؛ مشروع مملكةٍ من النهر إلى البحر؛ مشروع كان مجنون أمريكا قد قدَّمه كعربونٍ إلى المعبد الصهيوني والماسوني، وبالذات إلى ذاكرة أمّ اليهود “غولدا مائير“، رئيسة وزراء الحلم اليهود التاريخي، وكل ذلك، مقابل حصوله على عهدته الثانية على رأس البيت الأبيض. ولنا أن نستعيد التاريخ من أحلام اليهود في بعث مملكة “الهيكل” الموعود، لنعرف أن “ترامب” ليس ذلك المهرّج العابث الذي يسخر من العالم لأجل أن يكون “رَبّه” في شهوة سلطة وتسلّط، ولكنه “الهيكل” الموعود ذاته؛ الهيكل الذي لم يتم العثور عليه بـ “رفش” الحاخامات تحت “بيت المقدس“ بعد سنوات وعهود من الحفر المُضني، فإذا بأحبار وحاخامات السياسة في المعبد الصهيوني، يعثرون عليه بين دهاليز البيت الأبيض وأقبيته، ليكون “ترامب“، بما أظهره من وعيد قادم لمساحة الأوطان العربية ووعدٍ قادم لـ “إسرائيل“، ليس فقط ذلك الهيكل الموعود، ولكنه “العجل السامري“ الزاحف من وراء مرعى الثيران الأمريكية.. وما لها من تاريخ “بزنس إيز بزنس” كعقيدة ولاءٍ وطاعة!

في التاريخ السّالف الحلم و“التلمود” القديم، يُذكَر أنّ أمّ اليهود، كما تُلقّب في الذاكرة الصهيونية المدعوة “غولدا مائير“، والتي كانت تشغل آنذاك منصب رئيسة الوزراء في الإدارة “الإسرائيلية“، وقفَت في أعلى تلّة بخليج “نعمة“، أغمضت عينيها وجذبَت لها نفسا عميقا، ثم قالت مخاطبة حلم الغابرين من أجداد الحقد الدفين، مُردِّدة وسط الحضور: “إنني أشمّ رائحة أجدادي في خيبر ويثرب وتيماء وصحراء فاران..”!

كان ذلك في مارس 1968، وكانت المناسبة حينها نكسة العرب بعد أن مرّ عام على تدمير سلاح القوات الجوية المصرية وطائراته راسية في مطاراتها وذلك خلال حرب الخديعة أو “النكسة” عام 1967. والمهم أنه بين “إني أشم ريح يوسف“، حيث النبوّة يعقوبا أعاد له قميصُ يوسف بصرَه، وبين عمى وتعامي عربيّين على حُلم ريح “خيبر” التي اشتمّتها “غولدا مائير“ من على بعد ألاف الأميال من هضبة “الجولان“ وخليج “نعمة“، فإنّ “ترامب“ أمريكا كان واضحا في “عربونه“ ووعوده للحلم “الإسرائيلي“، حين صرّح وهو في كامل قواه “الصهيونية” الانتماء والولاء، وذلك في مؤتمر أمام تحالفٍ يهودي من مناصريه، مخاطبا الحلم اليهود بقوله: “مساحة (إسرائيل) تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها؟“. وطبعا الرسالة واضحة، والقضية تتعلّق بصفقة بين “هيكل” موعود هو “ترامب“، وبين لوبيات يهودية مُتحكِّمة في البيت الأبيض.. هي سلطة القرار الأمريكي التي يمكنها أن ترفع أو تُسقط من تشاء.

“ترامب” – شئنا أم أبينا – هو الكابوس، بل اللعنة القادمة التي تعتبر العالم بشكل عام والعرب على وجه الخصوص، مجرّد صفقة اقتصادية وسياسية، لن يتوانى “ترامب“ على تقديمها قربانا على ناصية الهيكل الموعود لتكون هي “خُوار” العجل السامري القادم، والذي ظهر مُجسّمه بشمل علني في فعاليات افتتاح “أولمبياد باريس“ الأخيرة، حيث رسالة أمريكا، كما رسالة باريس والغرب كله، إنه عصر العجل وما على “الجوييم” من غير الشعب اليهودي “شعب الله المختار“، إلا إعلان بيعتهم لزمن “السّامري“، ولزمن القادم من عجله وتاج “هيكله” الموعود، والذي لم يتخلّ ساسة “إسرائيل“ عن شَمّ رائحة “خيبره” في ترسيخٍ تامٍّ منذ وطئوا القدس “حفرا” وتنقيبا، حيث أنّ فلسطين كمساحة جغرافية لم تكن، في عُرف كل ساسة الصهيونية، إلا محطّة “انطلاق” لتجسيد حلم مملكة “من النهر إلى البحر“!

كما أنّ لعبة “السلام” المزعوم والتعايش وغيرها من تخاريف الساسة وكثيرٍ من الحُكّام العرب، ليست إلا فتاوى للجياع والخاملين، فـ “إسرائيل“، كحلمٍ تلمودي، لم تكن يوما جزءًا من أيّ سلام أو “شالوم“، وهو ما اختزلته عبارة الشهيد “عمر المختار“ حين نزل، ذات تاريخ، بقبضة يده القوية على طاولة المفاوضات مع أحد جنرالات إيطاليا الذي كان يُجالسه، ليقول له: “أنتم لا تبحثون عن السلام، أنتم تريدون الوقت“، وهو الحال نفسه مع كل مزاعم مفاوضات “الشّالوم” على مرّ العهود والاجتماعات واللقاءات، فـ “إسرائيل“، لم تكن تريد مِن “الشالوم” إلا الوقت، وها هو الوقت قد حان لتطفو إلى السطح بشائر حلم مملكتهم من خلال وعد “ترامب“.. هذا الوعد الذي لا يختلف في مضمونه عن وعد “بلفور” يوم أسّس لوجود “دويلة“ الكيان الصهيوني وأعلن ميلادها بجرة قلم.

وكما سخر الناس من “بلفور” في ذاك الزمان من وعد “بلفور” الذي كان ضربا من ضروب الجنون حينها، فإن السخرية والاستصغار نفسه حدَث مع تصريح – والأصح “وعد“ – “ترامب“. وإذا كان “بلفور“ قد أسّس لدويلة الكيان في فلسطين، لتصبح بعد سنوات من عهده التاريخي واقعًا دوليّا، فإنّ الحالة نفسها تحدث الآن مع “وعد” ترامب، وسوف تتفاجأ أمّة الساخرين، مِمّا يعتبره بعضها “تهريجًا ترامبيًّا“، أنّها تؤسّس بصمتها وعدم قراءتها لما بين السطور، لمملكة الحلم اليهودي، والحدود الموعودة لن تكون إلا هيكلا تاريخيا وعقائديا تمتدّ سلطته ونجمته السداسية من الفرات إلى النيل..

ومُجمل القول وخاتمته في ثنائية زمنٍ كان “بلفورًا“ فأضحى “ترامبا“، أنّ الوعود في العُرف الصهيوني، ديون على عاتق أصحابها، وأنه من خلالها يتمّ التأسيس للقادم من تاريخ وأيامٍ وجغرافيات.. و“ترامب“، ووفق منطق “العربون” الذي قدّمه لصالح اللوبي الصهيوني الأمريكي، قايض مساحة الوطن العربي مقابل حلمه في العودة للبيت الأبيض، فاستعدوا فإنّ “إسرائيل“ عثرَت على “هيكلها” الموعود، كما أن حلم “من النهر إلى البحر“، أضحى قاب قوسين أو أدني.. وإنهم، شئنا أم أبينا، لقادمون، بل هُم على مشارف “خيبر“، حيث أنّ أحدهم، مِن “أصحاب العقال“، قالها علنًا وجسّدها فعلا، حين صرّح بأنه لا يخشى مقتله على المنصة كما حدث لرئيس عربي.. ما دام هدفه أن يُعيد أولاد العم إلى سابق “خيبرهم” وغِيطهم وحقول نخيلهم في “المدينة المنورة“..

أيّها السادة.. يا معاشر المسلمين.. إنهم على باب الكعبة الشريفة، وإنكم وربّ الكعبة لنائمون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى