أقلام رصاصفي الواجهة

هل نحن بعيدون عن لعبة الأمم؟ أو جغرافية المخاطر

سألني بعض الصدقاء بقلق واضح عن موقع الجزائر على رقعة شطرنج العالم الجديد، الذي قلت أنه يتهيأ لحرب عالمية، والحقيقة أنني أشاركهم هذا القلق بالنظر لبعض المعطيات، وبعض التجارب السياسية التي نعرفها. فالعالم اليوم على أبواب تغيير شامل، سواء عن طريق حرب مسلحة (وهناك مناطق توتر جاهزة ومنها الجزائر)، أو عن طريق حرب مصالح تعيد تشكيل مناطق النفوذ التي تحررت نسبيا من الهيمنة الاستعمارية القديمة، ومنها الجزائر بطبيعة الحال. 
لأسباب عديدة – في رأيي – ستكون الجزائر أحد مناطق الصراع بين القوى العظمى، خاصة اروبا وأمريكا، فهي بلد ثري، وممر مهم لإفريقيا، وله تأثير على البلدان المحيطة به، وكذلك هو سوق استهلاكي معتبر، فضلا عن حكمه بنظام متشدد مما يسهل مقايضته بوجوده… بمعنى واضح هو منطقة نفوذ تتوفر فيه كل ميزات الغنيمة.
صحيح، قد يبدو في الظاهر أننا مجتمع مستقر، ومسلح جيدا للدفاع عن نفسه، ولدينا اقتصاد ينمو وإن ببطء، كما أن مصالح أروبا وأمريكا مصانة إلى حد ما… لكن ذلك في الظاهر فقط !
أعتقد أن الدروس لا تنقصنا في مجال المقارنة. فحتى سنة 1990 كانت العراق مثلا بلدا مستقرا، وجيد التسلح، ويحافظ على مصالح أمريكا، ولكن تلك السيادة التي ينقصها بُعد النظر، لم تجنبه السقوط. كما أن النظام السوري الذي استبد بشعبه 40 سنة، لم يقاوم يومين كاملين حين اختصمت حوله المصالح التي تحميه… وقس على ذلك.
بمعنى آخر علينا أن لا نستند في تفاؤلنا على المظاهر التي كثيرا ما يستعملها الاعلام الرسمي لتجييش وطمأنة الشعب، لأن الأنظمة القوية، وغير القابلة للسقوط تحتاج لعوامل أخرى غير استعراض المظاهر، وأولها وجود جبهة داخلية قوية مسنودة ببرنامج سياسي متفق عليه من طرف الأغلبية، ومؤهلة للدفاع عن سيادتها مهما كانت الظروف، فضلا عن تواجد جيو سياسي يمنحها قوة إضافية تحميها.
نحن في منظور الواقعية السياسية لا نزال بلدا ضعيفا، عالقا في مشاكل داخلية وخارجية تدل على هشاشة وضعنا، وهناك جزء مهما من شعبنا غير متحمس للمساهمة الايجابية في أي سياسة لا تستشيره، كما أن دخلنا القومي المعلن لا يتناسب مع ثرواتنا ومع المنتظر من الاستثمارات التي تحسن حياة الشعب الذي يعيش في الحدود الدنيا للغذاء والصحة والتربية والسعادة… فضلا عن الحياة الصعبة في ظل حريات مفقودة، وعدالة غير عادلة، ودولة ترفض التداول…
وفي هذا الوضع الداخلي الهش، نجد البلد محاطا بمخاطر جيو سياسية لاتقل خطرا عليه، سواء في دول الساحل أو ليبيا أو المغرب، أو حتى أروبا، وهي مخاطر تحتاج إلى يقظة استثنائية في التعامل معها.
مقابل هذا الوضع، لا يمكن إهمال مخاطر داخلية أخرى قد تصبح أكثر خطورة في المستقبل، ومنها هذه المنافسة على استغلال ثرواث وسوق الاستهلاك بين تلك الدول، ودول أخرى منافسة مثل الصين وروسيا وتركيا، وهي منافسة غير خفية، قد (أقول قد) يستغلها أي طرف بطريقة سلبية تؤثر على سلامة واستقرار البلد.
كما لا يغيب على أي محلل بصير، أن عودة العلاقات الروسية – الأروبية، ستعيد تدفق الطاقة إلى أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2، مما يؤثر بشكل كبير على إمدادات الجزائر لأروباويقلل من أهميتها في حال تفاقم الأزمة مع فرنسا، أوازدياد المهاجرين غير الشرعيين من شواطئ شمال إفريقيا، أو حتى الضغوط الملحة لبقاء الجزائر منطقة نفوذ أروبية.
الذين طالعوا « الكتاب الأبيض » الصادر أمس عن الاتحاد الأروبي الخاص بمجال التسلح، وإعادة بناء منظومته الدفاعية الذاتية بعد الانسحاب المنتظر لأمريكا من الناتو، يعرف أن أروبا في حاجة لمصادر مالية ضخمة لا تتوفر لها ذاتيا، وبالتالي ستلجأ إلى ابتزاز دول إفريقية للمساهمة في تمويل مشاريعها في الصناعات العسكرية، لأن هذه الدول وإن تحررت جزئيا من الهيمنة الفرنسية مثلا إلى أن اقتصادها مرتبط هيكليا بأروبا، مثل اقتصاد الجزائر في مجال الصناعة والتجهيزات والكماليات، وغيرها.
كما أن أمريكا التي تعتبر شمال إفريقيا الفناء الخلفي للاتحاد الأروبي، تحضى بتسهيلات للتواجد العسكري في كل من المغرب وتونس ومالي وليبيا، وتحضى كذلك بتواجد اقتصادي متميز في الجزائر، من خلال شركات النفط، وأي منافسة من جهات أخرى، ستعتبر ذلك استفزازا لها يدفعها للضغط عبر تلك التسهيلات العسكرية التي تطوق بالجزائر، والضغط الأمريكي كما هو معروف يسمى مجازا « الربيع العربي » !..
مجمل القول أن مخاطر جمة تحيط بالجزائر، ولا حاجة للادعاء بأن ذلك ثمن « المواقف الثورية » التي أصبحت مصدر قلق لإسرائيل وأمريكا والمتصهينين العرب، فهذه المواقف لن تكون ذات قيمة إذا تمت تسوية قضية الصحراء الغربية والضفة الغربية بحكم ذاتي منزوع السلاح والسيادة، وهذا هو الراجح في المستقبل القريب…
على رقعة الشطرنج العالمية، تعتبر الجزائر بيدقا مغامرا في مربعات متقدمة من الخطر، وبحكم توافر ميزات الغنيمة، فهي معرضة لكل الاحتمالات، وعليها أن تعرف كيف تتحصن من كل المخاطر، وأن تمتلك أرواق تفاوض قوية على مائدة الأقوياء، وأول هذه الأوراق إعادة بناء جبهة داخلية قوية، لأنها السلاح الأقوى في المعارك القادمة… وعليها أن تعيد النظر في سياسة مغاربية أو بكلمة أدق شمال إفريقية تدعم بها تواجدها في هياكل النظام العالمي الجديد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى