في الواجهةقضايا الساعة

الدرس الفرنسي الخبيث

الأزمة الجزائرية الفرنسية..خلفيات الأمس ومعطيات الحاضر.

من الصعب النظر بحياد للخلاف المستشري بين النظامين الجزائري والفرنسي، والذي وصل الى حدود القطيعة، بعد ان تجاوز اللباقة الديبلوماسية، والخطاب المتحفظ، وأخرج كلاهما للعلن دوافعه المسكوت عنها.

خلال السنوات الخمس الماضية جرت أحداث كثيرة، سياسية وإعلامية، كانت تدفع بالعلاقة عن سابق إصرار إلى توتر مقصود من كلا الطرفين، لأسباب ليست نفسها. وإذا كان البعض منها قد عولج ديبلوماسيا أو إعلاميا، فإن بعض الاستفزازات (خاصة من الجانب الفرنسي) كانت في حاجة لاتخاذ مواقف صارمة وصدامية من طرف الجزائر، ليس فقط كدفاع عن النفس، وإنما المعاملة بالمثل ورد الصاع صاعين…
لو أن الظروف كانت أخرى، لاعتبرنا هذه الخلافات عادية وعابرة، كما كانت دائما تتفاعل وتنفعل داخل تأثيرات الماضي، ثم تفرض العلاقة المتميزة عواطفها على الحدث لتحويله إلى لاحدث !..
غير أن معطيات أخرى، أكبر من المودة والمصالح بين البلدين، تحرك الأحداث من وراء الستار، وتضع كلاهما أمام خيارات غير مشتركة، وخطط مستقبلية متباينة وحتى عدوانية، وهو ما يمكن فهمه وراء حدة الخلافات الحالية.
تعرف الدولة العميقة في فرنسا أن السياسة الجزائرية بعد 2019 أخذت منحى أكثر حذرا فرضته تداعيات الحراك بشكل أساسي، فالنظام غير مستريح في قراراته ككل، خاصة فيما يتعلق بها، فقد تم تضييق مجال حركتها، وتحييد بعض عناصرها النشطة، وانتقاد كل من يشير للنظام في وسائل إعلامها بلهجة غير معهودة. بالاضافة للحد من تواجدها الاقتصادي والتجاري بتنويع مصادر وأسواق أكثر منافسة… وبعد ذلك كله أعاد النظام الجزائري تحيين موضوع الذاكرة، ليس من باب تذكير الفرنسيين بجرائمهم الاستعمارية، وإنما كمطالب في جدول أعمال مفاوضات ومصالح تنتهي عادة الى عدم الاتفاق.
ومن الواضح بالنسبة للدولة الفرنسية العميقة فان الجزائر وصلت، نظاما وشعبا ووعيا ووقتا، الى ذلك الحد الذي لم تعد تتقبل فيه وصاية او تدخلا او تمييزا من أي دولة كانت، وخاصة من فرنسا التي _ والحق يقال _ لعبت دورا قذرا في إفشال مطالب الحراك ضمن اطراف داخلية طبعا.
غير أن هذه الاعتبارت ليست وحدها ما يدفع الدولة العميقة في فرنسا الى استعداء الجزائر واستفزازها، وإنما الخطط (التي لم تعد سرية) والقاضية بإعادة هندسة خرائط بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقية، في ما يعرف بسايس بيكو 2 والتي هي في حالة تنفيذ متقدم، وتشمل الجزائر بالطبع. وهي خطط شاركت فرنسا في وضعها مع بريطانيا تحت الرعاية السامية لأمريكا، تحت شعار الانتقال من الفوضى الخلاقة إلى التكيف مع الفوضى…

صحيح فرنسا داخليا في حالة اضطراب وضعف لا مثيل لهما، وخارجيا خسرت مواقع في افريقيا حيوية وأساسية لها كقوة اقتصادية، إلى جانب خسارة نفوذها في لبنان وسوريا، وهي عوامل تدفعها للتخبط خارج المستنقع للبقاء على قيد الحياة، غير أن أملها، كما حلمها الكولونيالي القديم، أن يكون لها موقع قدم في خارطة العالم الجديد، لانقاذ نفسها من السقوط الحر… ومن السياسة طبعا أن لا تبقى الجزائر في دائرة علاقتها الودودة في المرحلة الحالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى