لا أعتقد أن هناك جزائري واحد يخالفني الرأي، إذا ما أجزمت أن حديث ناشطي الجزائر، كل نُشطائها ومن دون استثناء، وكل ساستها ونخبها ومثقفيها وحتى أشباه سياسييها ، إنحصر طيلة ليلة البارحة وصبيحة اليوم ومنذ لحظة إذاعة ونشر وبث محتوى أو نقاط من محتوى حوار الرئيس عبد المجيد تبون، مع جريدة لوبينيون الفرنسية.
مع الإشارة والتأكيد، أن النقطة الأولى والرئيسية التي هيمنت على كل حوارات هؤلاء، هي قوله بأن “الجزائر ستطبع مع إسرائيل في اليوم الذي تقوم فيه الدولة الفلسطينية”، كما كانت إشارته إلى أنه سيحترم الدستور ولن يترشح لعهدة ثالثة، محل إهتمام كذلك، لكن ليس بنفس حدة قضية التطبيع.
الغريب في الأمر، أني لم أجد شخصا واحدا من عشرات الذين تحاورت معهم وتحدثت إليهم مباشرة، أو عبر الهاتف، أو عبر وسائط التواصل الإجتماعي قَبِلَ فكرة التطبيع مع إسرائيل، مع العلم أني تواصلت مع إسلاميين وديمقراطيين ووطنيين ولا منتمين، وهذا حسب التقسيمات “الإنتمائية” الموجودة عندنا.
الأكيد والمؤكد، أن عقيدة الجزائريين في مناصرة القضية الفلسطينية وبحدة قد لا تجدها عند شعب عربي آخر حقيقة لا نقاش فيها أو حولها، كما أن رفض التعامل أو الإعتراف بإسرائيل ليس حقيقة أخرى عند الجزائريين، وإنما عقيدة أخرى لا تختلف في حدتها عن عقيدة مناصرة القضية.
هذا المنطق يعني أننا أمام معظلة حقيقية لا يمكن تفسيرها لا عقليا ولا منطقيا ولا بأي حسابات أخرى، لأنه من غير المعقول أن يكون الرفض بهذه الحدة و بهذه “الإطلاقية” لأي فكرة مهما كانت مستهجنة حتى ولو كانت التطبيع مع إسرائيل، لأن أي فكرة مهما كانت مرفوضة عند هذا الطرف أو ذاك تبقى قابلة للنقاش وبعد ذلك ليقبلها من يقبلها وليرفضها من يرفضها، لا أن ترفض هكذا بكشل مطلق. قلت لأحد المثقفين الممارسين للسياسة من الذين تحدثت معهم سهرة البارحة في إحدى المقاهي، بأن الرئيس ربط خطوة التطبيع بإقامة دولة فلسطينية، فكان رده قاطعا دون تفكير “ولو” ما كان له أن يقول مثل هذا الكلام.
استرسلت معه في الحديث، وقلت لنفرض أنه بعد أشهر من الآن، أو بعد عام أو عامين، إعترفت إسرائيل بقيام دولة فلسطينية على حدود عام سبعة وستين، ومن الطبيعي أن تعترف هذه الدولة الفلسطينية بعد قيامها بإسرائيل وتقيم معها علاقات ديبلوماسية، ويصبح لها سفير في القدس الغربية أو في تل أبيب، فهل يعقل أن تبقى الجزائر شاذة عن كل دول العالم بما في ذلك عن الدولة الفلسطينية؟
الغريب في أمر هذا المثقف المسيس والمحسوب على السلطة أن رد بأن ” الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقيم حاليا علاقة مع إسرائيل، لكن الجزائر ترفض إقامة مثل هذه العلاقة، فلماذا لا يستمر هذا الوضع؟!”
شخصيا، مقتنع بأن إسرائيل كيان شاذ في المنطقة العربية، وحتما سيأتي يوما ويزول فيه هذا الكيان، لكن ليس في المدى المنظور ولا القريب، وحتى إزالته لن تكون بالقوة المسلحة أو غير المسلحة، وإنما يزول بوسائل أخرى ليس هنا مجال طرحها أو مناقشتها.
إن نظرة عموم الجزائريين للقضية الفلسطينية وكيفية حلها معظلة حقيقية، ولو اقتصر الأمر على بعض الإسلاميين أو القوميين لهان الأمر وتم تفهمه، لكن أن يكون بهذه الشمولية فإن الأمر فعلا شاذ وغير طبيعي، فأي ثقافة سياسية أوصلتنا لهذا الشذوذ؟