وأنا أتابع هذه الأيام خطابات وتصاريح رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان الداعية لمواصلة الحرب حتى اجتثاث قوات الدعم السريع، أما أحد مساعديه، فقال بأن الحرب ستتواصل ولو تطلب الأمر خوضها لمائك عام قادمة!
وأنا أسمع هذه المواقف المعلنة عبر مختلف الفضائيات العالمية، أتذكر الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي ظل طيلة الحرب الأهلية والتي تجاوزت العشر سنوات،يؤكد على أن لا وقف للحرب إلا بعد دحر الإرهابيين والقضاء المبرم عليهم، وكانت النتيجة بعد تدمير سوريا وإحتلال تركيا لجزء من الأراضي السورية وإيران لأجزاء أخرى وروسيا لمناطق ثالثة وسيطرة حزب الله على أجزاء رابعة ووضع أمريكا يدها على مواقع النفط السورية، أن فر هاربا دون يترك على الأقل على الأقل خليفة له أو يسلم السلطة لغيره وليكن شخصية عمومية يقبلها عموم السوريين.
مقابل هذه المواقف المتطابقة لحكام السودان وسوريا، والتي تنعدم فيها الحدود الدنيا من روح المسؤولية التي يفترض توفرها في من تؤهلهم الظروف لحكم بلدانهم، تذكرت وارجو أن تتذكروا معي مرحلة الإرهاب عندنا في الجزائر، يوم كان لا يجروء أي جزائري بعد الساعة الخامسة مساء على التوجه من الجزائر العاصمة إلى ولاية البليدة مثلا، أو من البليدة إلى عين الدفلى أو المدية، أو من أي مدينة شرقية إلى أخرى قريبة أو بعيدة منها، وهذا خوفا من القتل أو الذبح، لأنه بعد الساعة المذكورة يبدأ الإرهابيون في قطع الطرقات وإقامة حواجزهم المزيفة.
في هذه الظروف الصعبة والأليمة والمريرة، يتوجه وزير الدفاع الوطني آنذاك ولا أذكر إن كان يومها رئيسا للدولة او لا، السيد اليمين زروال إلى السجن العسكري بالبليدة ويلتقي بالمرحوم عباسي مدني وعلي
بلحاج، عارضا عليهم حوارا شاملا لحل الأزمة مقابل توجيههما نداء للإرهابيين لوقف أعمالهم الإجرامية لأن الأرواح التي كانت تزهق وبالعشرات وربما بالمئات يوميا أرواح جزائريين من كل الأعمار ومن كل الفئات ومن كل الحرف والمهن، لكن الرجلان رفضا العرض لاعتقادهما أنه يصدر عن ضعف وليس عن إحساس بالمسؤولية.
لكن مع هذا وبموازاة مواصلة المعركة ضد الإهاب بحثت السلطة عن قناة توصل خطابها للإرهابيين في الجبل وليس لقيادتهم السياسية القابعة في سجن البليدة، فاهتدت للمرحوم حسن لعريبي الذي قبل التكفل بالمهمة وتواصل مع إمير جيش الإنقاذ يومها مدني مزراق، وبعد قبول الأخير فكرة الحوار توجه الجنرال إسماعيل العمار شخصيا وبشحمه ولحمه وعظمه، إلى جبال جيجل للقاء الإرهابيين دون خوف ولا وجل ولا تردد، فهل لنا أن نقارن هذا السلوك وهذه الروح العالية بالمسؤولية بمواقف بشار الأسد وعبد الفتاح البرهان؟!
مع العلم أن قوة الجيش الجزائري الذي كان مدعوما يومها بالمقاومين والمتطوعين، لم تكن لتقارن بأي شكل من الأشكال بقوة الإرهابيين، وكان سينتصر حتما على الإرهابيين مهما طالت المعركة لو أراد ذلك، وعلى العكس من هذا لم يكن الجيش السوري مؤهلا لمواجهة الغاضبين والناقمين على النظام والمدعومين ماديا ولوجيستيا وسياسيا وإعلاميا من ثاني أكبر جيش في الحلف الأطلسي وهو الجيش التركي، كما أن قوات الدعم السريع وهي ميليشيا أسسها الجيش السوداني نفسه أيام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، ومسلحة تسليحا عاليا وبمختلف أنواع الأسلحة بما في ذلك المدفعية والأسلحة الثقيلة والطائرات من دون طيار، ولا مبالغة إذا ما قلنا أن تسليحها قد يكون أعلى من تسليح العديد من الجيوش الإفريقية، ويقال أنها مدعومة كذلك من ميليشا فاغنر الروسية، وكل هذه الأمور تجعل من حسم المعركة بالسلاح في غاية الصعوبة وفي غاية الخطورة.
التساؤل الذي يفترض طرحه في هذا المقام، هو أن حاكم أي بلد مهما كان كبيرا أو صغيرا يتعرض لهزات عنيفه كالتي عاشتها وتعيشها سوريا والسودان، يدرس أول ما يدرس التجارب المماثلة التي عاشتها بلدان أخرى، وأعتقد أن العالم كله المتقدم منه والمتخلف، سياسيييه وعسكريييه ومراكزه المتخصصة يعرفون جيدا التجربة الجزائرية في مكافحة ومعالجة الظاهرة الإرهابية، فلماذا لم يتعظ بشار سوريا وبرهان السودان من هذه التجربة ويجنبا شعبيهما كل المآسي والآلام التي عاشاها؟
إن الحل الوحيد هو ما تفضلت به سيادتكم في الأخذ من التجربة الجزائرية في مقاومة الإرهاب بدل التعصب الذي لا يترتب عليه إلا إزهاق المزيد من الأرواح البريئة
إن الحل الوحيد هو ما تفضلت به سيادتكم في الأخذ من التجربة الجزائرية في مقاومة الإرهاب بدل التعصب الذي لا يترتب عليه إلا إزهاق المزيد من الأرواح البريئة