أقلام رصاصفي الواجهة

الأستاذ محمد يعڤوبي؛ يكتب عن مسلسل معاوية بن أبي سفيان..ماله وما عليه!

بغض النظر عن تحفظات الأزهر الشريف على مسلسل *معاوية* رضي الله عنه، من المهم الإشارة إلى أن العمل يحمل طابعًا سياسيًا أكثر منه دراميًا. وقد خضع السيناريو لمراجعات متكررة من قبل علماء في السعودية لضمان تقديمه في إطار يحقق أكبر قدر من التوافق، دون المساس بمشاعر أي طرف ديني أو طائفي. ومع ذلك، رفضه الأزهر ليس فقط بسبب تجسيد الصحابة من قبل ممثلين لا يمكن أن يعكسوا مقامهم الرفيع، بل أيضًا لأنه يعيد نبش أحداث *الفتنة الكبرى* بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، وهي مرحلة تاريخية دفعت الأمة ثمنها، ولا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم.
رهان سعودي على إعادة الاعتبار للدولة الأموية
يبدو أن السعودية تراهن من خلال هذا العمل على اعادة قراءة العهد الأموي بخلاف القراءة المعتادة التي تميل الى الادانة، وعلى إعادة تشكيل الرواية التاريخية المتعلقة بمعاوية بن أبي سفيان، والرد دراميًا على السردية الشيعية التي تصوره وأسرته في سياق سلبي، يركز فقط على الأخطاء السياسية ويتجاهل الإنجازات. فالعمل يسعى إلى تقديم صورة مختلفة عن الصحابي الجليل، بعيدًا عن الرواية التي تم ترسيخها عبر قرون، والتي تتهمه بإشعال الحروب، والخروج على علي كرم الله وجهه، والتورط في قتل الحسن رضي الله عنه، ثم توريث الحكم لابنه يزيد، المتهم بقتل الحسين رضي الله عنه.
وربما شجع على الدفع بالمسلسل الى التداول في رمضان ما حصل في سوريا من تغييرات لها علاقة بالجذور التاريخية للتدافع والصدام بين الشيعة والدولة الأموية والتي عمل ولايزال التيار الشيعي على شيطنتها حتى في المخيال السني!
تصحيح الصورة وإبراز الإيجابيات
يريد صناع المسلسل إظهار الوجه الآخر لمعاوية، ذلك الوجه الذي ارتبط بتوسيع رقعة الإسلام ونشره عبر الفتوحات والتجارة، حيث ساهم معاوية رضي الله عنه وذريته في إيصال الإسلام إلى مناطق شاسعة من العالم، بفضل قوتهم السياسية والعسكرية. كما يتناول المسلسل كيف تمكنت الدولة الأموية من فرض سيطرتها على معظم إمبراطوريات العالم في ذلك الوقت.
التأجيل والمخاوف الطائفية
تم تأجيل عرض العمل لعامين متتاليين بسبب المخاوف من إثارة حساسية الطائفة الشيعية، خاصة في إيران والعراق ولبنان واليمن، حيث ينظر الكثيرون هناك إلى معاوية رضي الله عنه وذريته نظرة عدائية، ويستمر لعنهم على المنابر، متجاهلين أن الدولة الأموية، رغم كل ما حدث، كانت أحد الأسباب الرئيسية في نشر الإسلام إلى بقاع الأرض.
أهمية البعد الاقتصادي
عند انتهاء تصوير المسلسل في تونس، قدم الرئيس التونسي قيس سعيّد شكره لفريق العمل، مشيدًا باختيارهم تونس لإنجاز هذا المشروع، الذي ضخ حوالي 150 مليون دولار في الاقتصاد التونسي. هذه التكلفة الهائلة انعكست إيجابيًا على سوق العمل، من خلال توفير فرص للعاملين في الإنتاج الفني، بالإضافة إلى إنعاش قطاعات السياحة، والنقل، والمطاعم، والفنادق. وهذا يؤكد أهمية الصناعة السينمائية في دعم الاقتصاد الوطني لأي بلد يهتم بها.
في انتظار الطموح الجزائري
نتمنى أن نرى إنتاجًا جزائريًا على نفس المستوى التقني والإبداعي لمسلسل *معاوية*، يتناول شخصيات مثل الأمير عبد القادر أو عبد الحميد بن باديس. الجزائر تملك تراثًا غنيًا من الرموز والسرديات التي تستحق أن تروى للعالم. ولعل أبرز دليل على ذلك أن كثيرًا من الجزائريين لم يعرفوا العارف بالله **الشيخ محمد بلقايد** إلا من خلال المسلسل المصري *إمام الدعاة*، الذي تناول سيرة الشيخ الشعراوي، حيث تفاجأ الجمهور الجزائري بأن الشعراوي نفسه لم يكن سوى أحد تلاميذ الشيخ بلقايد ومريديه.
إن شخصيات مثل الامير عبد القادر وبن باديس وميصالي الحاج ومحمد بلقايد ومحمد بلكبير ومالك بن نبي وغيرهم تستحق أن تُخلّد عبر أعمال درامية راقية، لا لتوثيق إرثهم العلمي والديني للأجيال الجزائرية فقط، بل لتقديمه إلى العالم بأسره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى