مررت قبل الإفطار بأحد المطاعم التي تسمى مطاعم الرحمة، واندهشت لنظافة المكان وترتيبه ورائحة الطعام اللذيذ التي تعطر الأجواء، وانبهرت بالشباب المتطوعين النشطين الذين يتحركون بين الطاولات بحيوية إستعداداً لاستقبال ضيوف الإفطار…
الفكرة في حد ذاتها إنسانية واجتماعية مشكورة، فضلاً عن أنها مأجورة دينياً، كإطعام عابر السبيل، وإغاثة مضطر، أو إطعام مسكين في يوم ذي مسغبة… وهي من صالح الأعمال التي يتقبلها الله من عباده الكرماء …
نحن متدينون جداً في شهر رمضان، على الأقل في المظاهر، ونعمل جميعاً على مغفرة ما تقدم من ذنبنا خلال السنة الفارطة، لأن الكثير منا يقضيها في أكل مال اليتيم، وسرقة أموال الناس في الأسعار، والظلم والكذب والاحتيال والعنف والتجسس والتنابز بالألقاب،،، إلى آخر ذلك من السيئات التي لا يغفرها الصوم في الحقيقة لأنها بين الإنسان والإنسان، وتلك تُرفع ليوم الحساب، أما ما يغفره الصوم فهو ما بين الإنسان وربه كالتقصير في العبادات والواجبات، والتفريط في كنز الحسنات…
لكن للاعتراف بفضائل الصدقة، ومنها المساهمة في مثل هذه المبادرات التي تطعم المساكين، أنها ليس بينها وبين الله حجاب، فهي صدقة تطفئ غضب الرب، و تقي من سوء الأقدار، كما يقول الأثر، وهذا في حد ذاته كافٍ كي نبذل من أجله قصارى جهدنا في هذا الشهر الفضيل إرضاءً لربنا عزّ وجل…
والحقيقة أنني سألت عن من ينتظرون مثلاً من ضيوف في هذا اليوم الأول، وفهمت منهم أن هناك من يأتي لأخذ الطعام إلى بيته لأنه لا يملك ما يطعم به عائلته، إلى جانب عمال وغرباء وعزاب ليس لديهم ما يكفيهم لتناول الإفطار في المطاعم التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير…
المهم استحسنت الفكرة، وشجعت القائمين عليها، ودعوت لهم بكل فضائل هذا الشهر الفضيل أن يتقبل الله منهم صالح الأعمال، وتمنيت لو أن هذا الجزائري المتدين جدا يحرس على المساهمة في إطعام الجائعين بدل الحرص على التبليغ على المفطرين لأنه لن يجني منه حسنات ولا شرف الستر عن الناس!..