مقالاتيفي الواجهة

حَرْبُ “المفاهيم” أو “خِـوَار” العجول الذي أنـهانا دون قتال!

قبل أن يرسو بنا الحال كأمة سابقة البنيان وكتاريخ سالف عصر وأوان وكحضـارة انتهى بها شتاتها، إلى مآل “حظيرة” ترعى بخرافها،كما تستحلب “أضرعها” نفطا كان أو لبنا، عجول العابرين من أزمنة التيه والشتات وقبل أن يستعيد زمن “السامري” عجله “الذهبي” ليسـحرنا عقولا قبل أن يطرحنا أعيننا، فيسلبنا ماضينا ويمسخُ لنا حاضرنا، فيما كل مستقبلنا رهيـنة “خِـواره” إن شاء “حلب” وإن شاء “ذبح” وسلخ، قبل ذلك، كانت كل حرب وأي معركة بيننا وبين الأخر السامري[2]،الذي يترصدنا من غابر ثأره وعجله،واضحة المعالم والغايـات والأهداف المُسطرة آنفا وسلفا، وكان سلاح الأمة، أمتنا المظفرة يومها، إما نصـرٌ “تـِرّْسه”[3] مرفوع أو انكسار رأسه متعال السؤدد، فابن السـماء إما أن تكون الأرض سرِجا تحت “نعله” فلجاما في يده، وإلا فإن السماء أولى بروح ابنها من أنف يمرغ في التراب، والسر كله في ثنائية الترّس المرفوع أو الروح المعانقة لأديم سمائها  عقيدة، منذ عرفها الأجداد حضارة ووجودا أخضعت لها جبابرة العالم خنوعا، فالخصم، منذ عرفنا رجالا، كان يعلم أن لجام معركتنا حوافر سرجها : أن لا رجـوع انتصارا كنا أو انكـسار المتسامين.. !!

بين ذلك الأمس الفقيد، الذي حمل العنوان الواضح لمعركة، إما أن نكون أو لن “تكـون” المرفوعة في وجه الأخر السامري “الخوار” إذا ما فكّر فقط في تمديد أقدامه خارج غطاء فراشه، وبين واقع اليوم، حيث كل المفاهيم هوت و”مُسخت” وتم تهجيـنها لتناسب معارك السيطرة والاستعباد والتحكم دون أن يكلّف الخصم نفسه إراقة قطرة عرق، وليست دم واحدة، فإن الذي حدث للأمة اليوم، ليس هزيمة على مستوى الأرض في ساحة مواجهة بين معسكرين وجيشين ورايتين إحداهما يجب أن تبتر ذراع حاملها لتعلن نهاية المعركة هزيمة كانت أو نصرا، ولكنها استعمار “ناعم” في حرب ناعمة التغلغل والملمس، استهدفت “الذات” العربية فأردتها أسيرة دون قتال ولا صِدام ولا جثث متناثرة أو دماء مسفوكة، ليكون كل السـقوط، جولات ومعارك وجودية خسرناها في ساحات بلا جنود ولا جياد ولا قنابل ولا صواريخ فقط هزائم ذاتية الصنع، تمكّن من خلالها عـدونا القديم الثأر و”الخوار”، من جرنا إلى حلبة السـيرك ليكون هو “الجمهور” وهو المُـروض المحترف وصاحب السياط الذي يجلد فترقص الأسـود مطأطئة مخالبها قبل رؤوسها في استكانة القتل “الناعم” الذي يبقيك “مُتَنَفِسًا” ولست “حيـا”، حياً ولست موجـودا، موجودا ولست رقما في أي معادلة إلا كونك “الصفر” في عملية الأثر والتأثير وذلك حين تكون العملية حسابية “الجمع” والطـرح.والسؤال العالق في خضم التحولات:كيف حدث ذلك؟

أما إجابته فهي مُتجلية في واقعنا المعاش وفي التحولات “الخرافية” التمييع والتي حدثت على مستوى البنية “الذهنية” والتركيبة “المفاهمية” للأجيال، وذلك دون أن ننتبه أو نلقي لتهاويها وسقوطنا في فخها ومستنقعاتها بالا، حيث الحرب الحقيقية التي خسـرناها فخسرنا بعدها كل معركة وجولات قادمة، والتي خاضها عدونا التقليدي في غيابنا رغم أن نتائجها وأضاحيها لم نكن إلا نحن، تلك الحرب، كانت مساحتها “عقل” تم التلاعب بجيناته المفاهيمية، فبمجرد أن نجحت المخابر “الفلسفية” والفكرية والثقافية والعلمية في برمجة خلايانا “الرمادية” على مقاس مخططات الخنوع والسيطرة وصناعة الشتات، ثم تأطير العقل فتهجين “أجيال” الأمة حاضرها وقادمها بعيدا عما كان من بديـهيات وأحكام ومبادئ ثابتة، لينتهى دور الأمة كأثر كان وكتأثير لم يعد له من وجود إلا ما سلف من تاريخ وحضارة..

والنتيجة مما سبق من “حرب” غيابنا وتغييبنا معا، أنه لم يتم فقط أخراجنا من الماضي ولكن من الحاضر والقادم منه في مستقبل عنوانه : أننا الأمة “الرهيـنة ” التي تلاعبت بثوابـتها أدوات المسـخ والتهجين والتمييع الممنهج، فكان تحييدها وإقالتها ووضعها في “رف” التابع المستلب تحصيل حاصـل لحرب “مفاهيـم” متلاعب بها في أسواق التمييع التي عجنت لنا أجيالا على مقاس دورة “السامري” في العودة إلى نقطة “الخوار” الصفرية، حيث لعبة “التيه” من زمن “عجلها” القديم المعادن الثمينة، كانت صناعة مخبرية للوصول إلى مرحلة “الشتات” ثم رحلة التيه ودورة “لا مساس” المعـروفة.

نقولها بشكل مؤسف، أن الاختراق الذي حدث فأطفأ شمسا كان قديمنا نورها، لم يكن من الخارج ولكن من “داخل” نسيج الأمة ومكوناتها، وحرب “المفاهيم” التي أنهتنا وجـودا و “جيادا” كانت، لم تزحف علينا بجيوش من “خارج” الحدود والديار والمرابض، ولكنها من عملية “تجييش” داخلي من عمق خيمنا وداخل بيوتنا، ومن بين جدران غرف نومنا، حيث كان يكفي صاحب الاستراتيجية السامرية، أن يراهن على خلق نوع جديد من الغزو، غير قديم “المواجهة” المباشرة والخاسرة مع من كانت حروبهم سروجا تتوارث جيادها أجيالا تخلفها أجيال؛ غزو تم حشد جنوده وعدته وأدواته “الناعمة” على مدى زمني متوسط باستعمال توابل مستلبة لمكونات بشرية المفترض أنها منا فيما الحقيقة أنها صناعة “مخابر” متخصصة استطاعت باسم ثقافة “النخب” ومعارك ما يسمون رجال “الحضـوة” في الفكر وكسر الطابوهات وطعن القيم والمبادئ والثوابت، أن تغيّر سلوكيات المجتمعات العربية انتماء وجذورا وأهدافا وحتى ملبسا ومشربا ومأكلا، لتنجح في تحييد الأجيال عن قدسـية ما كان من ملاحم السابقين وترسيخ في القادمين من أجيال معجونة “العقل”، أن “لجام” الخيل في ساح الوغى، يمكن أن يكـون “حزام” رقص في جِيدِ حُرّة عربية تراقص ثمولا، وكل ذلك باسم “ثقافة” التمييع والتعايش ووكر أفاعي ناعمة الملمس، يغريك “خوار” عجـل مقدس وهائم، بأن سمها عسلا ورقصٍا..

“النخب” الثـقافية والفكرية من وجـوه مطهوة على مقاس الغزو الثقافي “الناعم” في مطابخ المسخ، تحت مسميات التحرّر والانفتاح وتحطيم الطابـوهات وطعن الثوابت، هي من هوت بالأمة ورمت بها إلى قاع المستنقعات، وذلك بعدما أثبتت الأيام، أنها كانت هي سلاح حرب “المفاهيم” التي خسرناها دون قتال والتي هوت بالأمة القيم إنسانا وأجيالا قبل أن تهوى بذات الأمة جغرافية وحدودا، حيث الاختراق لحصون الأمة، لم يكن إلا قاعدة “خلفية” أنشأت من وراء الظهر وتسللت ”خلف” قلاع الثوابت التي كانت هي الحدود؛ وللأسف كل الحدود إنسان فينا إذا ما سقط، سقطت حدود الأرض منا..

الوجه “الناعم” للاستعمار الجديد، ليس حملات عسكرية وجيوش مدجّجة ومجهزة بأحدث وسائل التصفية والقتل الجماعي، ولكنها معركة استهدفت “تصفية” الروح واستعمار إنسانها من الداخل بإفراغ “وجوده” من كل وأي محتوى أو هدف أو مقومات ثابتة، فيكون النتاج والمحصول أجيال عدمية الأثر وهي نفسها أدوات المرور لركوب أوطانها وترويض ما فوق وتحت أراضيها دون الحاجة لاستعمار الأسلاك الشائكة والصـدام مع حُماتها فيكفي أن تستعمر روح “جيل” فتقتل فيه منظومته الفطرية من انتماء وعقيدة وفكر، حتى يصبح الحامي خادما مُطيعا لمالكه، وحين نضع تجربة مسمى “الربيع” العربي على طاولة التشـخيص والتحليل، لمعرفة هوية من القاتل والقتيل في المذبحة، وفوق هذا وذاك في أي “جُرَاب” عاد “خِـرَاج” ثورات الياسمين، سنفهم أن “النخبة” الثقافية والفكرية التي عجنتها مخابر “العجل”، هي من خدرت “التثوير” العربي في غزوات “المستلبين” من رعاع الربيع، لتقنع “عقل” القطيع الجامع، على أن “الياسمين” ثورة يمكن أن يقطف عطرها من على “خراب” أوطان؛ كانت حدودا وحدا فاصلا بين الخيانة والشرف، ومن بغداد التليدة الدمار إلى ليبيا فالسودان ودمشق انتهاء باليـمن، ناهيك عما قادم من مشاريع وأجندات وثورات “تسمين” للعجول في حدائق “الياسمين” الثورية السّقي والنفخ، فإن من أقنع “رعـاع” الثورات وخدرهم بالحرية المزعومة، لم يكن إلا “نخـبة” محسوبة منا عِرقا وانتسابا ودما، لكنها وعلى مدار سنوات طويلة رضعت وجودها في مخابر لندن وباريس وروما وأمريكا باسم التحرر و“التنوير” الوهميين، وبعد أن تم “تخوير” عقـولها، لتكون على مقاس “البريق” السامري عجلا وذَهَبًا، تم الزّج بها في ساحة حرب كعجول “خوارية” الفكر والثقافة والنجومية والشهرة، ليكون أثـرها الممسوخ، أن زرعت ف عقول العوام، كسادا من مفاهيم مميعة، كساد عن “تحرر” موبوء، بدلا من “حـرية” كنا إنسانها، وكساد عن ”تثوير” مشوه بدلا من ثـورة كانت الأمة رجالها، وكساد عن شذوذ مثلي بدلا من فـطرة ولدنا منها وفيها، لتكون النهاية أن سلبت من جيل “اليوم” بنيته ومكونه “الروحـي”فسلّم أرضه وعرضه وحتى فطرة جنسه، لدورة زمن “هجين” سلاحه، الإغراء ووسيلته عجول تنفخ “خـوارا”، تقف وراء نفث أنفاسه المحترقة والحارقة، نطف ليست إلا “سامري” كـان تيها فأصبحنا شتاته، ووسط هذا كله فإن معول الحفر ليست إلا “نخبة” كانت هي كل “النكـبة”.

“خيانة” الوطن، أضحت وفق معايير المسخ، طلب حماية، والثورة على المحتل أصبحت “إرهابا”، أما العذرية التي تعني الشرف فإنها مجرد غشاء بـكارة وقطرة دم، ناهيك على أن المرأة التي كانت مرادفا للأمة فهي حرية فراش وافتراش.. هذه هي البضاعة وتلكم هي بعض من مفاهيم عصر التمييع والتمثيل بالقيم وفق منطق مُعولم جعل من الأسـرة مطبخا مشتركا، ومن المدرسة حضانة هي أقرب لمفرجة التدجين، أما الأرض التي كانت مقترنة بالعرض فمجرد تراب ونفط، دون أن ننسى أهم شيء كان يصقل شخصية ووجود الأمم ممثلا في التـاريخ كمفهوم وامتداد فإنه في نظر “مميعات” العصر، مجرد “أمم خلت وقضت”، حاله من “الدين” أضحى حرية معتقد ويمكنك أن تعبد بقرة كما من حق أن تسجد للنار وأن تدعو ثالث ثلاث أن يدخلك الجنة، ومُجمل القول أن كل ما سبق نماذج بسيطة عن إعاقة ذهنية تسمى نخب تسللت إلى حيث ظهر الأمة لكي تخترق أجيالا ومقومات منهية زمن المفاهيم الثابتة..مفاهيم هي الإنسان وبدونها لا معنى لأي إنسان ولا فرق بينه وبين الشجرة أو السمكة أو صغير عجل..أيها السادة لقد خسرنا معركة “المفـاهيم” فخسرنا كل حرب قادمة، فسـلام على أهل الديار الغابرين منهم و“الفاهـمين”.!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

[1] – كاتب فلسطيني ولد ونشأ في مدينة “صور” اللبنانية..

[2] – السَّامِرِيّ شخصية يهودية. ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة طه، وهو الذي أغوى بني إسرائيل بعد أن ذهب موسى لميقات ربه فأخرج السامري عجلا جسدا له خوار، فأضل كثيرا من بني إسرائيل لينقلبوا على سيدنا موسى، عليه السلام..

[3] – التُرّس: سِلاح دفاعيّ عبارة عن صفيحة مِن خَشَب أو مَعدِن كان يحملها المُحارِب في ذراعه للوقاية مِن صربات السَّيف ونحوه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى