أو حين يتحالف شارل العاشر ومحمد علي باشا على احتلال الجزائر..
من مقال سابق
مشروع احتلال فرنسا للجزائر لم يكن وليد حادثة المروحة، بل تعود بداياته الى منتصف القرن الثالث عشر ميلادي.. فالعقل الاستعماري الفرنسي المحمولُ والمسنودُ بالكراهية والحقد ومحاولة استعادة الأمجاد الاستعمارية الرومانية لم يتوقف عن هذا المشروع الذي استمر مرات عديدة، لعلها أهمها محاولات نابليون بونابرت الذي أرسل النقيب فيليب في رحلة استخباراتية سريّة دامت قرابة ستّة أشهر بداية القرن التاسع عشر ميلادي، هذا النقيب (اللغز) الذي اختفى تماما مباشرة بعد عودته الى فرنسا بعد أن قام بمسح طوبوغرافي للساحل الجزائري، بل واختفى اسمه تماما من سجلات الحالة المدنية الفرنسيّة، قلت هذا النقيب يكون قد أوصى بأنّ منطقة سيدي فرج هي المكان الأمثل لنجاح مشروع احتلال الجزائر، وهو ما ذهب إليه سفير أمريكا في الجزائر ويليام شالر في مذكراته التي طبعها بعد نهاية مهمته سنة 1824، بأنّه لا يمكن دخول الجزائر من الجهة الشرقية، بل من الجهة الغربيّة، ويمكنكم الاطلاع على مذكراته التي يصف فيها بدقّة المسار الأمثل للوصول الى الجزائر العاصمة من خلال سيدي فرج.
لكنّ كثيرا منّا يجهل أنّ فرنسا حاولت احتلالنا باستعمال مصر!! نعم، لن أخوض في التفاصيل كثيرا، لكنّ الأكيد أنّ محمد علي باشا كان قد وافق ــ بعد تردّد ــ على أن يكون ذراع فرنسا ووسيلتها في احتلال الجزائر، وبالفعل فقد أعدّت مصرُ العدّة والعتاد والجيش، بل ورسمت حتّى مسار الحملة لتنفيذ الخيانة واحتلال الجزائر، لولا أنّ أسبابا كثيرة حالت دون نجاح هذه المهمة، من بين هذه الاسباب أنّ العرض المالي الفرنسي لم يقنع محمد علي باشا.
كان ذلك بعد حادثة المروحة تماما، ففرنسا كانت متردَدة في دخول حرب مع الجزائر، فهي تعلم مسبقا استحالة المهمّة وصعوبتها، لكنّ التغييرات الحمقاء التّي أحدثها الداي حسين على رأس الجيش الجزائري حينها، وتعيين صهره ابراهيم آغا وزيرا للدفاع خلفا ليحيا آغا الذي تمت تصفيه في نواحي بليدة من قبل الدّاي حسين، أدخلت الجيش الجزائري حينها في صراعات ونزاعات وجعلت من مهمة احتلال الجزائر المستحيلة في وقت سابق مهمة سهلة يسيرة وبسيطة.
لقد كان استعمارا متوحّشا، تجاوز فضاعة الاستعمار الرومانيّ الهمجيّ، لو أعطينا فرصة للشيطان الرجيم أن يتحدّث فإنّه بالتأكيد سيطلب منا معشر المسلمين أنْ نغيّر عبارة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) إلى عبارة ( أعوذ بالله من فرنسا)، نعم.. فقد اعتمدت فرنسا كلّ السياسات اللاإنسانية من قتل وتشريد وتهجير وتعذيب للقضاء على الأمّة الجزائريّة، فالمجازر التّي حدثت في غار الفراشيش وقبيلة العوفية والزعاطشة ولبيض سيدي الشيخ وكثير من مناطق الوطن لا يمكن للعقل أن يتصوّرها أبدا..
تشير الدراسات إلى أنّ عدد سكّان الجزائر في تلك الفترة ترواح ما بين 3 و 10 ملايين، لكنني أميل إلى أنّ عدد سكّان الجزائر حينها كان 10 ملايين نسمة حسب ما ذهب إليه صاحب كتاب المرآة حمدان خوجة، و 10 ملايين نسمة هو نفس عدد سكان مصر في تلك الفترة.
وعندما حصلنا على استقلالنا سنة 1962 كان عدد سكّان مصر حوالي 40 مليون نسمة.. في حين بقى عدد سكّان الجزائر حوالي 10 ملايين نسمة.. والسبب الوحيد فرنسا الشيطان.. إذن لقد خسرنا 30 مليون إنسانا.. أو بالأحرى؛ تسبت فرنسا الشيطان في أنْ يتوقف عداد الحياة على هذه الأرض طيلة 132 سنة كاملة.. يمكننا أن نقول بكل ثقة، أن ضحايا فرنسا في الجزائر يفوق الثلاثين مليون فرد.
لقد نهشت فرنسا لحوم آبائنا وأجدادنا، وأسكتت ألسنة الفرنسيين وأشبعت بطونهم، الأمر الذي سمح لهم بالتفكير والتطوّر وبناء نهضتهم، وما أشبه اليوم بالبارحة..! ففرنسا تعلم جيّدا أنّه لو جاع الفرنسيّ يوما واحدا فسيتحوّل إلى ذئب مسعور.. تدرك أنّ تلك القيم الحضارية والمدنيّة التّي يضرب بها المثل في الحريّات والاحترام هي ناتجة عن رفاهية اللصوص، تدرك فرنسا اليوم أنّه لو جاع شعبها يوما واحدا فسيرمي كل تلك القيم والمبادئ والحريات عرض الحائط ويتحوّل إلى قطعانٍ محمومة، لذلك ستظل فرنسا الكولونيالية تبحث عن مستنقعات جديدة لتحافظ على رفاهيّة الفرنسيين وتسكتَ بطونهم الجائعة وترضي الذئاب التي تسكنهم..
أما نحن.. وعلى مدار التاريخ.. فإن الفقر والحرمان والجوع لم يكونوا أبدا سببا في أن نتخلى عن قيمنا ومبادئنا الإنسانية، فالتاريخ يشهدُ على أننا كنا ولا نزال شعوبا.. بينما كانوا وسيظلون قطعانا، فلتجع فرنسا أسبوعا واحدا كي نرى كيف يأكل الفرنسيون بعضهم البعض.. وكيف أنّ كل هذه القيم هي نتاج رفاهية.. رفاهية كانت ولا تزال على حسابنا نحن.