بالرغم من ربطها بالإنهيار الكلي للهياكل القاعدية بغزة، وهي فعلا منهارة بشكل كامل، إلا أن دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير سكان القطاع إلى مصر والأردن، إلى غاية إعادة تأهيل هذه القواعد وبناء مدن القطاع من جديد، فكرة قد تكون أخطر من حرب الإبادة والتدمير التي حدثت، لأنه لو حدث وهُجِّر السكان كما يريد ترامب وبطبيعة الحال نتانياهو، فإن أهم هدف لهذه الحرب سيتحقق، وهو إفراغ القطاع من سكانه.
المؤكد أن العودة الجماعية لسكان المدن المدمرة ومشيا على الأقدام لعشرات الكيلومترات بالرغم من أن هؤلا العائدون يعرفون جيدا أن بيوتهم قد أزيحت بالكامل وبالتالي لم يعد لهم بيوت، هذه العودة الجماعية تُقْبِرُ عمليا ونظريا دعوة ترامب وأحلام نتانياهو، لكن مع ذلك وجب التنبيه إلى أننا أمام عدو معروف بهمجيته، هو الكيان الصهيوني ومن ورائه قوة عالمية لا حدود لجبروتها و يوجد على رأسها شخص إسمه ترامب، لا يقيم وزنا لأي منطق ولا حجة ولا حواجز، فما المطلوب للذوبان عربيا في ذلك الإصرار العجيب للفلسطينيين في عودتهم إلى مدنهم وقراهم المدمرة وبإصرار عجيب لا يفهم منه إلا أن العودة للديار لا تعني عند هؤلاء الناس إلا شيئا واحدا هو الحياة… نعم العودة للديار عند الغزيين تعني الحياة.
أمام هذا الواقع… هناك حلقتان ضعيفتان في معادلة الصراع، هما مصر والأردن وهما الدولتان المعنيتان عند ترامب باستقبال سكان القطاع.
مصر ثم الأردن ضعيفتان ماليا، خاصة مصر التي تكبلها الديون الخارجية وحتى تستطيع مواجهة الضغوط الأمريكية، فإن المطلوب عربيا هو التكفل بديونها ومساعدتها هي والأردن ماليا، لتجاوز الإختناق الحاصل وتجاوز الضغوط الأمريكية “الترامبوية”
وأعتقد أن الدولة العربية الوحيدة المؤهلة للعب هذا الدور هي الجزائر، بحكم أنها تتبنى سياسة لا يلفها أي غموض في الوقوف مع الفلسطينيين، ولتأثيرها القوي في الساحة العربية، وهنا يحضرني دور الجزائر في سبعينات القرن الماضي عندنا ضاقت الدائرة على مصر بعد تقاعس الإتحاد السوفياتي في تزويدها بالأسلحة التي طلبتها، يومها وبعيدا عن الإعلام إمتطى الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله الطائرة بإتجاه موسكو، ووضع على الطاولة أمام القادة السوفيات شيكا على بياض، وقال لهم عاملونا كتجار أسلحة وزودوا مصر بإحتياجاتها من السلاح، فوضعهم في زاوية مغلقة وضيقة فلم يبقى أمامهم غير تعبئة البواخر بما طلبته مصر ودفعها للإبحار بإتجاه الإسكندرية.
هذا الموقف التاريخي العظيم، مطلوب اليوم من الجزائر تكراره بالصيغة التي يراها أصحاب القرار مناسبة، ولتكن بالدعوة لقمة عربية شاملة أو جزئية، تطرح فيها قضية التكفل بديون مصر فتتحرر من كل الضغوط التي يمكن أن تدفعها إلى الرضوخ لرغبات ترامب.
أنبه مرة ثانية أننا أمام رئيس أمريكي لا يقيم وزنا ولا إعتبارا لأي شيء، وهو مستعد للإقدام وتنفيذ كل ما يخطر بباله دون أي حسابات.
ما أعظم ما يسجله التاريخ من مواقف خالدة كالتي سجلها للرئيس هواري بومدين وللجزائر.