أقلام رصاصفي الواجهة

الأستاذ “غرمول ” يستحضر حكاية الشيخ عبد الحميد مهري مع “السائق” الملاكم!!

بعض الرجال تتحدث عنهم مناقبهم الإنسانية قبل ان تتحدث عنهم افعالهم. ومن هؤلاء الرجال يبرز اسم سي عبد الحميد مهري، الاسم الكبير الذي يرفض حتى تسميته أستاذ، رغم أننا تعلمنا منه الكثير، ونعتبره أستاذ مادة الحكمة والحنكة والعقلانية في علم السياسة.
سأترك السياسة جانبا، وأتحدث عن بعض المناقب الطريفة في ذلك الرجل. فخلال إدارتي للخبر الأسبوعي قامت هيئة التحرير بدعوته لإجراء لقاء مطول معه، وكان من واجبي دعوته الى قهوة معي في المكتب إكراما له من جهة، وبسط مقدمات لأسئلة هيئة التحرير (بقيادة المايسترو كمال زايت مدير التحرير) والتي ستكون دون شك فضولية ومحرجة، وأنا أعرف تعففه في الحديث عن بعض الأحداث وبعض الأشخاص في الحكم.
حالما جلسنا قال لي بجديته المعهودة: يا رجل انت ليست لديك “نظرة حادة” فقط إنها ثاقبة! قلت ضاحكا: والله يا سي عبد الحميد حتى الآن أنا مكتفي بالضرب الخفيف! ابتسم قائلا: الضرب الخفيف هو اللي يوجع… وأضاف: كن حذرا، بعض الناس لا يتحملون الضرب حتى الخفيف منه!. طبعا فهمت الرسالة، وأكدت لي الايام انه كان على حق.
ما أدهشني في الرجل هو قدرته على ربط علاقات حميمة مع الناس. فخلال تلك الأيام كنت كثيرا ما أرسل له سائقي الشخصي، لأسباب متعددة، فكان يسأل السائق عن أحواله وأحوال عائلته وكيف يعيش وأين يسكن، بل وصل به الأمر إلى سؤاله إن كان أحد أفراد عائلته مريضا ويحتاج للتدخل لدى مستشفى او بروفيسور او يحتاج مساعدة مادية… الخ. وكان سعيدا جدا حين اخبره السائق بتحفظ شديد أنه بطل في الملاكمة، وأنه شرف الجزائر في منازلات قارية، وأنه يعمل معي “محبة خاطر” فقط… وكان يسألني عنه كلما التقينا في مناسبات.
بعد اشهر من ذلك اللقاء ، ذهبت إلى فندق بني مسوس “العسكري”، وكانت المناسبة دعوة لعرس زواج ابن شخصية تاريخية محترمة. فوجدته رفقة أستاذنا احمد طالب الإبراهيمي في البهو، بادرني سي احمد بالثناء على مقال كتبته سابقا بعنوان “اثنان وعشرون رجلا يكفي” إشارة للاثنين والعشرين الذين أطلقوا شرارة الثورة. وتمنيت أن نجد رجالا مثلهم للقيام بثورة على احتلال الفساد لبلدنا… وبعد نقاش حول الوضع السياسي الشبيه بالوضع قبل الثورة التحريرية قال لي سي عبد الحميد: احسب عدد الضحايا وليس عدد الثوار!..
ومرة رأيته أمام الصيدلية المقابلة لبيته، فتوقفت لأسلم عليه، واعتقد انه كان شارد الذهن فلم ينتبه لي حتى وقفت امامه مرحبا، سلم علي وقال لي هل جئت تشتري دواء تعالى الصيدلي صديقي! قلت له انا مار ٌّ من هنا ورأيتك فنزلت اسلم عليك.
ذهب مباشرة الى السائق وطلب منه ركن السيارة في مكان قريب ومرافقتنا لشرب القهوة في بيته. وظهر عليه أسف حقيقي وانا اعتذر منه بسبب ارتباطات عاجلة.
رحمة الله عليك يا سي عبد الحميد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى