الإستراتيجية الأمريكية في إدارة شؤون العالم وفق منطق المصلحة تبيح كل شيء، إستراتيجية ولدت مع نشأة الكاوبوي، لذلك فإنّ دعوة “تعال إلى المسيح”، جمعت بين عقيدة يهودية التلمود والأحقاد لدى بني صهيون، وبين “دين” المصلحة فوق كل اعتبار لدى أمريكا، وهي الاستراتجية التي خلفاها هنري كيسنجر، كعنوان للسيطرة على العالم، حين قال سنة 1973: “من يسيطر على إمدادات الغداء يسيطر على الناس. من يسيطر على الطاقة يستطيع أن يسيطر على كل القارات. من يسيطر على المال يستطيع السيطرة على العالم..”.والنتيجة.. المارينز على أبواب غزة، والقادم من مخطط لن يكون إلا صفقة تهجير معلولمة، لكن ماذا يوجد في غزة؟ وما علاقة ما يوجد في بطنها بما يجري فوق سطحها؟
في كل حروب القرن العشرين والواحد العشرين التي قادها التحالف الأمريكو – أوربي، فإن ركح المذابح التي طالت الجسد العربي من بغداد إلى الشام فليبيا واليمن والسودان مرورا بفلسطين، دون نسيان دول القارة السمراء، فإن القاسم المشترك في لعبة الحروب، تحت مسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان، لم يكن إلا الذهب الأسود ومناجم اليورانيوم والمعادن الثمينة؛ فالمذابح التي كان ظاهرها الدفاع عن دين الديمقراطية الغربية لم تكن إلا حروب دول بالوكالة عن اللوبيات الاقتصادية والشركات متعددة الجنسيات. وإذا كانت مذابح العراق وليبيا والشام واضحة النفط والأهداف والغايات الاقتصادية، حيث لم يكن خافيا أنها ديمقراطية “البترول” التي أزالت دولا وشردت وقتلت الملايين في تصفية عرقية “البنزس”، فإن المغيّب في محرقة غزة أنها ليست فقط عملية طوفان الأقصى التي كانت سببا في إنهاء غزة بنيانا وإنسانا، ولكن ما في “بطن” غزة من مسكوت ومتستر عنه، من برر المذبحة ثم استعجل خطة التهجير مع وضوح “ترامبط كرجل اعمال برتبة رئيس ، وإذا كان ظاهر الصـورة بوضوحها المُسَوَق، أن الجنون الصهيوني كان سببه الانتقام والثأر من عملية طوفان الأقصى، فإن الخفي في إصرار “إسرائيل” ثم “ترامب” على مواصلة حملة التهجير العرقية وإفراغ غزة من إنسانها، مهما كانت النتائج ومهما بلغت الخسائر، ليس إلا ما كشفته الصحف ووكالات الأنباء العالمية في شهر ماي الفارط من العام الماضي ، أو ما سمي – حينها – بصفقة الغاز أو القرن في غزة بين الكيان الصهيوني وبين شركة “بريتش برليوم” ؛ وبعبارة أدق صفقة 1.5 مليار دولاربين شركة “بريتش بيتوليوم”، و حكومة نتنياهون حيث منحت الحكومة الاسرائيلية، تراخيص تنقيب عن الغاز لعدة شركات منها “بريتش بترو ليوم”، وكذا شركة “إنفوسيس”،التي تمكلها “أكشاتامورتي”، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق، بالإضافة لشركة “توتال” الفرنسية وكذا شركات أمريكية رائدة، نالت كل واحدة منها حصتها في لعبة غاز غزة، الذي كان يستلزم ويشترط لعبة “أفران” لتهجير وإفراغ غزة من أهلها حتى تستوي طبخة الغاز، وهو ما تم فعلا مع ما نراه من قرار تهجير لأكثر من مليون غزّي! لذلك، فإن طوفان الأقصىن كان الشجرة التي غطت غابة “الغاز” وكذا الشماعة التي علقت عليها لعبة التهجير، حيث وفرت عملية الطوفاء الغطاء للعبة الغاز.. والمحصلة أن حرب الإبادة، التي حملت في ظاهرها انتقاما لعملية عسكرية نوعية تسمى الطوفان، فإن باطنها لم يكن إلا أرباب الغاز والنفط من لوبيات اقتصادية معولمة أرادوا ما في “بطن” غزة ولا يهم إن “بقروها” أو انتهى كل ما هو فوقها من بشر وشجر.
نعم، هي حروب النفط والغاز ما يشعل غزة الآن، وليست وحدها لعبة الانتقام ومحاولة رد الاعتبار كما سوقت الآلة الدعائية الصهيونية في محاولة لحجب الصورة الأكبر من المشهد الوحشي لحرب غاز تحجب حقيقة المذبحة بغزة ؛ لذلك، فإن ترامب ومن وراءه الغرب وأمريكا لن يتراجعوا عن دعم “إسرائيل” ولو أدى ذلك إلى نهاية العالم، والسبب أنهم وغيرهم من مسمى زعماء العالم، ليسوا إلا موظفين برتبة رؤساء دول لدى الشركات واللوبيات الاقتصادية، ومنه فإن القضية تتجاوز الولاء لـ “إسرائيل” إلى الولاء للبزنس الذي لا تهمه الوسيلة في إستراتجية الغاية، كما لا تهمه الفاتورة مادامت اللعبة “بزنس إيزبنزس”، ولينتهي العرب وينتهي العالم ولينتهي حتى غوتيرش ومجلس أمنه وأممه المتحدة، فلا شيء فوق لعبة المصلحة ولا لتبرير أخلاقي لسوق “بزنس ايز بزنس”..