في الواجهةقضايا الساعة

الدكتور الكويتي “أدريس آيات” يكتب: الصين تحاصر أمريكا رقميا والجزائر تخنق فرنسا سياسيا

الدكتور "أدريس إيات" _جامعة الكويت_

كتب الدكتور أدريس آيات:

♦قبل أربع سنوات، توقعت أن محاولة ترامب لإسقاط “هواوي” الصينية ستكون خطأً استراتيجيًا جسيمًا، وأن الصين سترد بقوة تُغير قواعد اللعبة الدولية.

♦نعم كانت أربع سنوات بالتحديد؛ كثيرون يتذكرون تلك السلسلة من المقالات التي نشرتها في ذروة جائحة كورونا، تحديدًا عن الصين ومن كان وراء كورونا، ثلاثية أثارت اهتمامًا واسعًا خلال فترة الحظر العالمي، وكانت بوابة لعديدٍ منكم لاكتشاف صفحتي.

♦لم تكن تلك التوقعات عبثية، بل استندت إلى معادلة واضحة: حين تنتج الصين مليون مهندس سنويًا، بينما لا تخرج الولايات المتحدة سوى بضعة آلاف، فإن التفوق العلمي والتقني لا بد أن يميل عاجلًا أو آجلًا لصالح الصين. إنها أرقام لا تعرف المجاملة، بل ترسم ملامح المستقبل.

♦اليوم، ها هي الصين تطلق أولى مفاجآتها كرسالة ترحيب غير متوقعة لعودة ترامب إلى المشهد السياسي، وتُثبت أن زمن الهيمنة الأحادية قد ولّى.

♦الصين لم تكتفِ بالرد، بل باتت تغيّر قواعد اللعبة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. شرك

ة “ديب سيك”، الناشئة الصينية، أثارت دهشة العالم بمنتجاتها المتقدمة.

♦الصين غيّرت قواعد اللعبة في التكنولوجيا

♦الصين، لأنها تنتج مليون مهندس سنويًا مقارنة ببضعة آلاف في الولايات المتحدة، وبدأت بجني ثمار استراتيجيتها طويلة المدى. فتطبيق “كات غوت” الصيني، الذي يتمتع بكفاءة عالية ويحتاج إلى موارد حاسوبية أقل بكثير من نظرائه، أصبح الأكثر تحميلًا على منصة Apple Pay في الولايات المتحدة ودول أخرى.

ما الذي يميز هذا التطبيق؟

♦إنه يتمتع بنفس كفاءة نظرائه الغربيين، لكنه يتفوق عليهم بمتطلباته المحدودة من الموارد المالية والحاسوبية، مما يجعله أكثر جاذبية من الناحية التقنية والاقتصادية. الأسوأ بالنسبة للمنافسين الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، أن التطبيق مجاني تمامًا، بل وأكثر من ذلك، فهو مفتوح المصدر (open source)، ما أشعل حالة من الهلع العالمي في أوساط الشركات التكنولوجية التي اعتادت السيطرة المطلقة على الأسواق.

♦نتيجة لذلك، شهدت أسهم شركات أمريكية كبرى مثل NVIDIA انهيارًا ملحوظًا؛ إذ تراجعت أسهمها بنسبة 10% في تعاملات ما قبل السوق، كما أكدت شبكة CNBC.

♦لم تكتفِ الصين بذلك، ففي نفس الوقت، أعلنت بكين هذا الأسبوع عن تخصيص 37 مليار دولار لدعم شركاتها في تصنيع الرقائق بمعايير 3 و2 نانومتر، ما يهدد احتكار الشركات الغربية لهذه التقنيات.

♦هذا التوجه يذكرنا بثورة الصين في قطاع السيارات الكهربائية، حيث حوّلت حوافزها المالية للمهندسين إلى نقطة قوة قلبت الموازين عالميًا. اليوم، أصبحت الصين رائدة في هذا القطاع، بسياراتٍ كهربائية ذات جودة عالية وسعر رخيص؛ وأسهمت في تراجع نفوذ الشركات الألمانية التقليدية.

♦بدلًا من التعاون مع الصين، اختار ترامب الدخول في مواجهة معها عبر فرض العقوبات ومحاولة خنق شركاتها. رغم ذلك، أطلقت الصين في ثلاث سنوات فقط نظام تشغيل خاصًا بها تحت اسم “COS”، بالتعاون مع “معهد البرمجيات بالأكاديمية الصينية للعلوم”، لكسر هيمنة الأنظمة الغربية. وفي 2022، أعلنت شركة “هواوي” عن هاتف Mate 60 المزود بشريحة 7 نانومتر مصنعة محليًا. هذه الخطوات أظهرت أن الصين ليست فقط قادرة على الصمود، بل أيضًا على التفوق، الفجوة ما عادت بعيدة. ليس كليًا لكن من الواضح أنه مع التحدي الجديد للمهندسين الصينيين صارت القضية مسألة وقتٍ ليس إلاّ.

سخرية عالمية من التخبط الفرنسي

♦على الجانب الآخر، بينما تُحقق الصين قفزات نوعية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تسجل فرنسا مشاهد كوميدية مثيرة للشفقة في محاولاتها دخول هذا المجال. أطلقت فرنسا برنامجها المنافس لتطبيق ChatGPT تحت اسم “لوسي”، ولكن للأسف، لم يصمد سوى بضعة أيام قبل أن يتم سحبه من الأسواق.

♦المثير للسخرية أن البرنامج عند سؤاله عن معنى “بيض البقر”، يجيب بأن الأبقار تبيض البيض الذي يحبه المستهلكون الفرنسيون. وعندما يُسأل عن حاصل ضرب 5 × 5، تكون الإجابة ببساطة = 50! هذه المهزلة التقنية، التي أُعلن عنها بكل فخر، جاءت بعد استنفار الحكومة الفرنسية أفضل مهندسيها للحفاظ على ماء وجه أوروبا، لتتحول المحاولة إلى رمز للمأساة التقنية.

♦وفي الوقت الذي تغرق فيه فرنسا في هذا الإخفاق، تواصل مناكفاتها السياسية مع الدول الإفريقية، التي لولا مواردها لأصبحت فرنسا أفقر دول أوروبا. الأفضل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يركز على “ملعبه الحقيقي” في إفريقيا، حيث يبدو أن اللعبة الوحيدة التي يُجيدها الفرنسيون هي خداع الدول الإفريقية تحت شعار “الفرانك-أفريك”، ومن ثم اتهام روسيا بالدعاية المعادية لفرنسا.

الجزائر: صفعة ثقافية لفرنسا

♦وفي الأثناء لم تجد فرنسا شيئًا مشرفًا مؤخرًا سوى مناكفة الجزائر ومحاولة إلقاء دروسٍ عليها فيمن يجب أن يطلق سراحه ومن يجب أنْ يعتقل، محاولةً منها التدخل في شؤون البلاد تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان.

♦المثير أن حتى محاولات فرنسا الأخيرة لمناكفة الجزائر في السجالات السياسية انتهت بصفعة ثقافية مدوية. الجزائر، التي بدأت تُبرز جرائم فرنسا الاستعمارية من جديد إنْ هي تناستْ، كشفت عن ملف مجزرة الأغواط هذا الأسبوع، والتي وُصفت بأنها أول “هولوكوست” في التاريخ. هذا الكشف أحدث هلعًا في الأوساط الإعلامية الفرنسية، ما دفع باريس لمحاولة التهدئة مع الجزائر.

♦وهكذا نُشاهد، أنّ الصين، التي أنهت هيمنة فرنسا في إفريقيا اقتصاديًا، وروسيا، التي أطاحت بإمبرياليتها العسكرية، وأثبتا أن فرنسا باتت قوة منهكة. إن استمرتْ في استفزازاتها، فقد تكون الجزائر هي التي تُجهز عليها ثقافيًا في القارة الأفريقية.

♦لذلك، أكرر ما قلته سابقًا: أفضل تحالف استراتيجي لنا في هذه اللحظة هو مع الصين وروسيا. ليس من باب التبعية، بل كشراكة ذكية تدعم مصالحنا. وكما أقول دائمًا: عدو عدوي صديقي، ولو كان مؤقتًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى