Site icon موقع الأستاذ أسامة وحيد

الحلقة الأخيرة من قصة السقوط..العقيد يجياوي وجدار قاصدي مرباح!

عشية وفاة الرئيس هواري بومدين، كان محمد الصالح يحياوي يستعد، بين إثنين آخرين لخلافة الرئيس، مسلحا بحجتين قويتين، أولها قربه الكبير من الرئيس الراحل وتأثره بخطه السياسي وهو ما يلزم استمرارية مشروع بناء الدولة المتوخاة، وثانيهما نفوذه الشعبي الذي أصبح أقوى من نفوذ مراكز القوى المتصارعة من أجل الاستيلاء على السلطة، ففي نهاية الأمر – وهذا ما قاله لرابح بيطاط – سيكون صندوق الانتخابات هو الفيصل !..

كان خطأ استراتيجيا من طرف السيد يحياوي، الذي لم يكن حتى ذلك الحين يعرف حدود المؤامرة، هل يمكن اعتبار هذا الخطأ عماء سياسيا أم غرورا شخصيا؟ في الحالتين لم يكن صندوق الانتخابات هو العنصر الحاسم في النظام الجزائري الذي هو أحد عرابيه لا في الماضي ولا في المستقبل، كما سنرى. فضلا عن أن خبرته السياسية القصيرة (3 سنوات) لم تنضج كما ينبغي، لا على مستواه الشخصي ولا على المستوى الشعبي… وهو ما جعل طموحه يصطدم بسوء تقديره لما اسميناه متلازمة النظام الجزائري.

أفضل من عبر عن هذه المتلازمة في مواجهته، هو شخص آخر مقرب جدا من بومدين.. قاصدي مرباح، رجل المخابرات الذي كانت له يد طولى داخل الطغمة العسكرية، ويد أخرى داخل التنظيمات الفئوية التي أسسها وأشرف عليها محمد الصالح يحياوي في بداية سنوات الاستقلال، وقام بضمها فيما بعد إلى حزبه الناشئ على عجل… هذا الرجل، ولأسباب شخصية، هو الذي سيحسم مستقبل الجزائر يومذاك، والذي لم يكن بأي حال من الأحوال موفقا باختياره الشاذلي بن جديد.
سنتحدث عن هذه الشخصية الغامضة والمعقدة، شخصية قاصدي مرباح حين نتناول دوره في هذه اللعبة القذرة، ونعود للمسار السياسي للسيد يحياوي… فبعد أيام قليلة من دفن جثمان الرئيس الراحل هواري بومدين بدأت اللعبة تتضح تفاصيلها بالنسبة له، فلم يكن كما كان يتصور في دوائر النظام مقبولا ولا مرجعا في قراراتهم، وهو ما حدى به لزيارة رئيس البرلمان رابح بيطاط، الذي كان يومها رئيسا انتقاليا لمدة أربعين يوما بحكم الدستور، لتشجيعه على الترشح للرئاسة، بل شجعه على تغيير الدستور وهو يضمن له موافقة شعبية واسعة. كان يريد بذلك وضع حد لطموحات منافسيه من جهة، وضمان استمرارية النهج البومدييني، فضلا عن أن شخصية رابح بيطاط، أحد مفجري الثوري، لن يعترض عليه أحد !.. وفاجأه بل خيبه رد الرئيس المؤقت الحاسم وهو أنه ملتزم بالدستور الذي وُضِعَ للاحترام، وأنه لا يطمح لذلك المنصب المحاط بقنابل موقوتة؟..
هذه الشهادة سمعتها على الأقل من طرفين لهما مصداقية، بشير بومعزة وشريف بلقاسم، وبعد ذلك في دوائر عديدة حملته مسؤولية القراءة الخاطئة للوضع، بل فشله في استعمال قواعده الحزبية، والعناصر الوطنية التي انضمت له، بما في ذلك عناصر قيادية من الحزب الشيوعي ومن الاسلاميين الوطنيين الذين كانوا يتهمون بوتفليقة بالتبعية لفرنسا… كان واضحا – كما برر موقفه فيما بعد – أنه تجنب انفجار الوضع الذي لم يكن مستقرا كما كان يظن، وهو موقف بقدر النبل والوطنية في مضمونهما، بقدر سوء القراءة السياسية للوضع…
سوء التقدير ذاك هو ما سيدفع ثمنه، هو وبوتفليقة معا، بعد اشهر قليلة من جلب الشاذلي بن جديد رغم أنفه لخلافة الراحل هواري بومدين، وبداية تجريده من مسؤولياته ومناصبه وامتيازاته الثورية والسياسية، وانتهى النظام الجحود إلى قطع منحة التقاعد التي يمنع القانون قطعها بأي حال من الأحوال، والتي كانت مصدر عيشه الوحيد، وانتهى به المطاف في آخر عمره إلى كراء طابق من بيته للغرباء كي يضمن قوته وكي لا يموت جوعا في بلد أعطاه عمره وصحته واجتهاده !..
والحديث ذو شجون.
Exit mobile version