من تاريخهمأقلام رصاصفي الواجهة

الحلقة الثانية من قصة “ظل” الموسطاش.

الحلقة الثانية

الحلقة  الثانية من مسيرة “العقيد” صالح يحياوي أو قصة..الرجل الذي دفن أسراره معه!!

بقلم الأستاذ: عبد العزيز غرمول.

سأتجاوز حديث الصحافة عن خلافات الرجل مع أصحابه، وصراعه من أجل خلافة بومدين، والذي لم يخضه كما يجب لأسباب شخصية سنوضحها فيما بعد، إلى جانب قناعاته السياسية الاشتراكية التي لم ينتبه بحكم قصوره السياسي، لنهايتها مع نهاية بومدين، والذي لم يكن في الحقيقة رئيسا فقط، وإنما عصرا كاملا كان لابد من طيه معه بكل ما فيه من محاسن ومساوئ، والانطلاق في مسار يختلف، بل مسارا انتقاميا تجلت فيه كل الأحقاد المدفونة التي كانت تغلفها ابتساماتهم وخدماتهم لذلك العصر… وبعد ذلك في رأيي – وهذا مستغرب منه – عدم معرفته الجيدة برجال النظام، وبينهم من كان معروفا أن انتماءه للنظام البومدييني هو انتماء لامتيازات السلطة وليس لأفكاره ولا نهجه الصارم…
مسار الرجل كان واضحا، تماما مثل قناعاته، فقد التحق بالثورة التحريرية وهو في الثامنة عشرة، وأصبح لكفاءته عضوا قياديا وهو في العشرين من العمر، وخرج من الثورة وهو من كبار معطوبي الحرب، بل أكبرهم، وساهم وهو في 27 من العمر في ما سمي التصحيح الثوري الذي قاده هواري بومدين، واصبح بذلك عضوا في قيادة الأركان ومجلس الثورة، وتولى مهام عسكرية بما في ذلك مدير المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال، وهي المدرسة التي أنشأت جيلا كاملا من الضباط الذين لم يكتف بتكوينهم عسكريا، وإنما سياسيا أيضا من خلال المحافظة السياسية التي هي جزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية…
أعتقد أن ذلك البعد السياسي للرجل، وأقول ذلك بتحفظ، هو الذي دفع بالرئيس هواري بومدين لاختياره كمنسق لجهاز الحزب الحديث النشأة. فقد بدأت تظهر بوادر صراع إيدييولوجي، ومعارضة منظمة للنظام بعد أن اتضحت رؤيته لمستقبل الجزائر من خلال دستور وميثاق 1976 المثيران للجدل… وكان لابد من رجل مشبع بأفكار الزعيم، ومطيع كعسكري، وبراغماتي في قراراته… ومَن أفضل من محمد الصالح يحياوي الذي أسرَّ له برغبته في التقاعد من الخدمة العسكرية التي لم ترحم أعطابه الجسدية، فضلا عن النفسية…
اعتبر العقيد المكلل بالأمجاد أن اقتراح الرئيس لم يكن مجرد اقتراح وإنما أمر بمهمة، وهو أمر اختار له رجل ثقته، وككل عسكري منضبط نزع البذلة العسكرية ونزل للميدان المدني، بحماس قلّ نظيره…
تذكر سيرة الرجل أنه هو من قام بإعادة تنظيم الساحة السياسية في ذلك الوقت، حسب النموذج الاشتراكي السائد في عصره. ضم إليه التنظيمات الفئوية التي كانت تحتل الساحة السياسية (الطلاب، الشبيبة، النساء، العمال، الفلاحين…) وقام بهيكلة الخلايا والمحافظات والقيادات، واستبعد بشكل خاص كل من رأى فيه شبهة الانتماء للمجموعات المعارضة لسياسة بومدين، خاصة الشيوعيين والاسلاميين… والحقيقة أنه لم يحتج لوقت طويل بحكم انضباطه وبراغماتيته، فحين مات بومدين كان الجهاز في أفضل تنظيم له…
غير أنه خلال تلك السنوات الثلاث (77- 80) اكتسب من الأعداء والخصوم أكثر مما اكتسب من الأصدقاء. لقد وضعته الأقدار أمام ما يمكن تسميته متلازمة النظام الجزائري والتي من أعراضها العداء بين الطغمة العسكرية والنخبة المدنية بما فيها النخبة السياسية. كما أنه استعدى عليه جزء من النخبة المدنية (حزبية وأكاديمية) منذ أن كان مديرا لكلية شرشال العسكرية التي طبعها بطابع عروبي في وقت كانت قيادة الجيش والإدارة تحت يد التيار الفرونكوفوني. فضلا عن احساس تلك القيادة العسكرية بخطورة الرجل الذي بدأ يسحب منهم سلطتهم على القيادات المدنية ويستبدلها بسلطة الجهاز الذي أصبح يقرر مصائر الاطارات ومهامهم. وانتهى أخيرا إلى التحكم في الشارع، بحكم قدرته على التجنيد الشعبي، مما أزاح جهاز المخابرات من مهام كانت القيادة العسكرية بفضلها تتحكم في الحياة المدنية…
كل ذلك لم يمر عليه بسلام…
(وللموضوع بقية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى