بعد وقف إطلاق النار في غزة، كان الصديق العزيز أسامة وحيد يرى في المشهد بعض النصر للمقاومة، بينما كنت شخصيًا محبطًا من حجم الدمار والخسائر البشرية التي دفعتها غزة منذ “طوفان الأقصى”.
وكنت كلما تساءلت عن النصر الذي يتحدثون عنه، تلوح أمام عينيّ مآسي أطفال غزة ونسائها، فيختلط في داخلي الحزن مع الوجع مع البحث عن نصر واضح المعالم لا أكاد أراه .!
مرت الأيام، وشاهد العالم جحافل الفلسطينيين يتحدّون الدمار، ويعودون حفاةً جائعين إلى بيوتهم المدمرة. وبهت الصديق والعدو برؤية مقاتلي القسام يخرجون من أنفاقهم بأسلحتهم ومعداتهم، وبكامل أناقتهم، في مشهد ينثر الفخر في قلوب الأحرار عبر العالم.
هذا المشهد جعل صديقي أسامة وحيد يعيد قراءة الأحداث بطريقة مختلفة عن الأولى، ويتساءل: وسط هذا الاستعراض والدمار، أين النصر؟ وهل كان تبادل بعض الأسرى في مشهد استعراضي، مبررًا لكل هذه الكلفة البشرية التي دفعتها غزة طيلة 15 شهرًا؟
في المقابل، ومع مرور الأيام، امتلأ فؤادي أنا نصرًا وفخرًا، بعدما كنت غارقًا في حزن شديد، وعاجز عن استيعاب تفاصيل التكلفة البشرية الباهضة، لكنني اليوم، وقد رأيت المقاومة وشعبها على قلب رجل واحد، تفرض منطقها، وتضبط نشرات أخبار العالم على توقيت سبتها وتثور ثائرة محور الشر يوم لا يسبتون! بل وتنجح المقاومة في توسيع رقعة الحرب الباردة التي تدور رحاها اليوم على طول وعرض الشرق الاوسط، بين ترامب ودول الطوق التي بقيت لأشهر تتفرج على ذبح وإبادة سكان غزة، وهي اليوم تتجرع حربًا أخرى على الأبواب تستهدف أمنها وسيادتها، بالتهجير الذي هو تصفية للقضية الفلسطينية، فتلهث تلك الدول وقد كانت من قبل تتفرج، لحشد التأييد العربي والدولي لحمايتها من المفترس ترامب ومن تهجير كفيل بقلب أنظمة حكم وتغيير مجرى التاريخ.
ولأنها إرادة الله التي تخبئ أحيانًا الخير في بطن الشر، والنصر في بطن الهزيمة، فإن زلزالًا عنيفًا تسببت فيه المقاومة لكل الدول التي سكتت أو تواطأت ضدها، في قرع مدو لطبول الحرب، وربما تكون المحصلة هي استفاقة هذه الأمة التي طال سباتها، والتي ستدفع أثمانًا باهظة إذا لم تقف بالمرصاد لمخططات ترامب.
مع تسارع الأحداث، لا يضرنا أن نختلف في قراءتها، لأن التداعيات الحاصلة معقدة ومتشابكة، قد تحمل في طياتها خلاصا للأمة إذا استفاقت، وقد تشكل نكبتها الثانية ونكستها الأبدية إذا بقيت مثل القصعة تتداعى عليها شرار الأمم وحثالة الأقوام.
إنها معركة الوعي، التي يخوض أسامة وحيد جولاتٍ منها في برنامجه الواعد **”القضية في المداولة”** على قناته في اليوتيوب، وهو برنامج يستحق فعلا الاهتمام والمتابعة.
—