أقلام رصاصفي الواجهةمن تاريخهم

الأستاذ غرمول يكتب عن “العقيد” الذي كان من المفروض أن يكون “رئيسا”

محمد الصالح يحياوي..من  رقم ثانٍ في الدولة إلى رجل بلا زاد!

الحلقة الأولى:

سنة 2018 وبالضبط يوم 18 أوت، خرج العقيد محمد الصالح يحياوي من هذه الدنيا، عاريا كما جاءها، مجردا تماما من أوسمته ومناصبه ومسؤولياته السامية، التي لم يرتق لها بالأقدمية ولا الانتهازية، وإنما بجهاده وجهده واجتهاده…

مات الرجل، وهو أحد كبار معطوبي الحرب، وأحد صناع عصره، وهو لا يملك في بيته ما يدعو إليه ضيفه رغم كرمه الحاتمي…

لقد قيل الكثير عنه، غير أن ذلك الكثير قليل في الحقيقة، لأنه يخفي أحد أهم عناصر تاريخه السياسي، والذي كان سببا في تدميره في آخر عمره. ذلك العنصر هو ثقته العمياء في أصدقاء لم يكونوا سوى أعداء مهذبون يبتسمون له وينتظرون الانفراد به بعد الانتهاء من الرئيس هواري بومدين…
وهذا أهم فشل سياسي يمكن أن يُعزى إليه…

غير أن بعض العناصر الأخرى لا يمكن فهمها وتحليلها إلا من خلال نقيضها، أي المعارضة غير المعلنة التي كانت تقاوم سياسته في الخفاء، اليسار وبقايا الشيوعيين بالاضافة للّفيف الفرونكوفيلي الذين يأخذون عليه انحيازه للعروبة، الاسلاميين الذين يأخذون عليه قناعاته الاشتراكية، الطغمة العسكرية التي أقلقها نفوذه السياسي والشعبي، والاقطاع القديم الرافض أصلا لسياسة بومدين…
سنعود لتحليل هذه العناصر في سياقها السياسي بعد الاحاطة ببعض النقاط التوضيحية.

شخصيا لم ألتق الرجل سوى بضع مرات لم تسمح لي بالانفراد به، ولا إشباع فضولي المهني من أسراره وأفكاره. كان يبدو حاد الملامح، قليل الكلام، حذرا ومرتابا مع الغرباء، ورغم أنه يبذل جهدا واضحا في التكتم على معاناته إلا أنها تظهر على وجهه من خلال تجهمه ووجومه…

في الحقيقة لم أهتم كثيرا بالرجل. فقد خرج في وقت مبكر من مصنع الأحداث، وكنت بحكم مهنتي مهتما أكثر بمن يصنعون حاضرنا المقلق، لذلك كانت لقاءاتي به بروتوكولية أكثر منها عملية، فضلا عن موقفي الناقد لسياسة بومدين في بعض جوانبها…

غير أن انتقاله إلى جوار ربه، وبداية تسرب معلومات خفية عن حياته، أيقظ فيَ غريزة تقصي أخباره، وعرفت أن الرجل الذي عانى الأمرّين في حياته، لم يستطع أحد محو ذكره، بما له وما عليه، ولا يزال حاضرا وإن بشكل موارب في تاريخ الجزائر الجحودة والمتنكرة لرجالها، وبمرور الزمن بدأت أكتشف الرجل الذي تختصره الصحافة وموقع ويكيبديا في ذلك العسكري الموظف الذي انتهى بانتهاء مهامه…
وذلك ليس صحيحا تماماً…
سأتجاوز حديث الصحافة عن خلافات الرجل مع أصحابه، وصراعه من أجل خلافة بومدين والذي لم يخضه كما يجب، وقناعاته الاشتراكية التي انتهت بنهاية عصر بومدين، وبعد ذلك معرفته غير الدقيقة برجال النظام في ذلك الوقت، وبينهم من لم يكن انتماءه للنظام « الثوري » سوى الحفاظ على امتيازات السلطة !..

الحلقة القادمة : خصوم الرجل الثلاث/ المحيط.. الزمن .. الشخصية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى