بالصدفة، توقفت على خطاب الرئيس الفرنسي الذي كانت تبثه قناة سي-إن-إن مباشرة من واشنطن والذي كان يلقيه باللغة الأنجلزية وليس بالفرنسية… طبعا السبب واضح لأن الأمريكيين لا يُجيدون لغة الضفادع (كما يحلو للأنجليز والأمريكان تسمية اللغة الفرنسية) وبالتالي لن يكون هناك معنى لخطابه أن تكلم بها.
أما الشيء الذي أدهشني فعلا هو اللكنة التي كان يتحدث بها والنطق المُميز لبعض الحروف التي في الغالب يستحيل على الفرنسين نطقها بتلك الطلاقة… لكن الأغرب من كل هذا وذاك، ذلك الأداء أثناء تحدثه باللغة الإنجليزية و لغة جسده وطريقة إلقائه التي كانت توحي وبكل وضوح، وكأنه يقول لنواب الكونجرس انظروا كم أنا أجيد لغتكم، أنظروا كما أنا أشبهكم وقوي مثلكم وأستحق أن أكون محترما بينكم، فلا تردوني فارغ اليدين أرجوكم. فترامب لا يريد سماع رأيي..
لقد تذكرت حينها ذلك الأداء الذي تعودنا رؤيته من هؤلاء الرؤساء والمسؤولين وحتى الأشخاص المنحدرين من المستعمرات الفرنسية السابقة عندما يتحدثون باللغة الفرنسية وخاصة عندما يخاطبون الفرنسين، حيث تجدهم حرصين كل الحرص على أن يبدوا فرنسيون أكثر من الفرنسين أنفسهم في نطقهم و لكنتهم و طريقة كلامهم، ظنًا منهم بأن ذلك سيكسبهم احتراما يعادل احترام الفرنسين. وينزلهم منزلة الفرنسين….
صحيح اللغة مجرد وسيلة تواصل ، لكن عندما يصل بها الحد إلى هذا المستوى تصبح إشكالية ثقافية عسيرة وعقدة نفسية كبيرة تثبت مدى تأثر الضعيف بالقوي. . إنها عامل مهم في تحديد الهوية والانتماء لهذا يعتبرها علماء الاجتماع عنصر مهم في تحديد الثقافات وتصنيف المجتمعات و الأمم..
فالأكيد أن أمريكا أقوى بكثير من فرنسا وفي كل المجالات ولا تُعيرها أصلا ذلك الاعتبار والاهتمام والأكيد أيضا أن فرنسا والرئيس الفرنسي على يقين بذلك، خاصة في عصر ترامب الذي لا يُجامل. ..فالضعيف عنده ضعيف والعدو عدو والقوي قوي والحقير حقير. سواء كان على مستوى الدول والأمم أم حتى على مستوى الأشخاص و الرؤساء .
إن الشيء الذي أريد فعلا أن ألفت الانتباه إليه في الواقع هو ليس العلاقة بين أمريكا وفرنسا ولا مدى تأثر الفرنسين بذلك بما فيهم رئيسهم الشاب، وإنما ذلك الوضع المُؤلم والمثير للشفقة لتلك الدول والشعوب و الأشخاص المفتونين بالفرنسية والفرنسين، وأغتنم الفرصة لألفت أنتباههم وأقول لهم تفطنوا وتداركوا الوضع، فالفرنسية التي تقدسون أصبحت تنحني أمام الإنجليزية كما يفعل الفرنسيون أمام الأمريكيين، وإن كنتم غير مقتنعين بقوميتكم وانتمائكم فمن الأحسن أن تتشبهوا بما هو أقوى وأكبر. ..بمعنى آخر إن كنتم تعبدون فرنسا ففرنسا في حد ذاته أصبحت تصلي لأمريكا، لهذا من الأحسن والأفضل أن تتوجهوا بركوعكم مباشرة إلى أمريكا وحاولوا أن تجيدوا اللغة لإنجليزية والثقافة الأمريكية بدلا من الفرنسية، فالا يوجد أهون من أن تكون ضعيف وتقتاد بالضعيف. ..
خلاصة القول عليك أن تكون قوي ولا أن تتشبه بالقوي، لأن الأخرين سيعاملونك وفقا لقوتك وأصالتك، سواء أكنت شخصا أم رئيسا أم حتى شعب أم دولة…
أو لم أقل لك بأن قيمتك تعادل قوتك….